نسخة الفيديو النصية
في هذا الفيديو، نتحدث عن إشعاع الجسم الأسود. وقد ساعدنا هذا الموضوع في الانتقال بفهمنا للفيزياء من الرؤية الكلاسيكية إلى الرؤية الكمية. سنعرف كيف حدث ذلك بعد قليل، لكن دعونا الآن نتناول المقصود بالجسم الأسود.
أولًا، يمتص الجسم الأسود المثالي الإشعاع الساقط عليه كله. فبغض النظر عن الطول الموجي للضوء أو زاوية سقوطه، فإن الجسم الأسود المثالي سيمتصه كله. ثانيًا، يبعث الجسم الأسود المثالي الإشعاع أيضًا. يعتمد هذا الانبعاث على عامل واحد فقط. وهو درجة حرارة الجسم الأسود. إذن يمتص الجسم الأسود المثالي الإشعاع كله، أي الموجات الكهرومغناطيسية الساقطة عليه بالكامل. كما أنه يبعث إشعاعًا، حيث يعتمد هذا الانبعاث على درجة حرارة الجسم الأسود فقط.
لا يوجد جسم حقيقي يحقق هذين الشرطين تمامًا. فنحن نتحدث في النهاية عن جسم أسود مثالي أو نموذجي. لكن هناك العديد من الأجسام التي تقترب بصورة جيدة من تحقيق ذلك. على سبيل المثال، من الممكن تكوين جسم أسود بسيط. للقيام بذلك، يمكننا إحضار صندوق. نفترض أن هذا مقطع عرضي للصندوق. ونلون الجزء الداخلي من الصندوق باللون الأسود. ثم نحدث فتحة صغيرة في الجانب.
مع وجود الصندوق هنا، لنتخيل أن ثمة إشعاعًا كهرومغناطيسيًّا دخل من الفتحة التي أحدثناها. يدخل هذا الشعاع إلى الصندوق ثم يسقط على أحد الجوانب. يمتص جزء من الشعاع وينعكس الجزء الآخر. بعد ذلك، يسقط الجزء المنعكس على جانب آخر من الصندوق، ويمتص جزء من الشعاع وينعكس الجزء الآخر مرة أخرى. يستمر ذلك مع انعكاس الشعاع في كل مكان داخل الصندوق. وفي كل مرة يسقط فيها الشعاع على أحد جوانب الصندوق، يمتص جزء من طاقة الشعاع. وفي النهاية، بعد عدد كاف من الانعكاسات، يمتص الصندوق طاقة الشعاع بأكملها.
نظرًا لانخفاض احتمالية دخول الشعاع الكهرومغناطيسي الساقط إلى الصندوق وخروجه منه قبل أن تمتص طاقته بأكملها، يمكننا القول إن الصندوق يمتص تقريبًا الإشعاع الساقط عليه كله. أو بعبارة أخرى، يمتص كل الإشعاع الذي يدخل إلى الصندوق تقريبًا. تؤدي الطاقة التي يمتصها الصندوق إلى تسخينه ويبدأ في بعث إشعاع من تلقاء نفسه. وهذا هو الجانب المتعلق بالانبعاث في الجسم الأسود.
عندما يبدأ الصندوق بعث إشعاع، تكون هناك أنواع معينة فقط من الإشعاعات الكهرومغناطيسية مسموح بها إلى داخل الصندوق. ويتعلق ذلك بأبعاد المكان الفيزيائي المتاح لهذه الموجات. يمكننا فهم ذلك باستخدام تشبيه. لنفترض أن لدينا حبلًا مطاطيًّا وأن طرفي الحبل مثبتان إلى حائطين. يمكن تحريك هذا الحبل لكي تنتج خلاله موجات موقوفة. لكننا نعلم أن أي موجات موقوفة على هذا الحبل مقيدة بالشروط الحدية للحبل، وهي حقيقة أن طرفي الحبل مثبتان في مكانهما.
يعني هذا أن إحدى الموجات الموقوفة الممكنة للحبل تبدو هكذا، حيث يهتز الحبل للأمام وللخلف بين هذين الموضعين. ثمة موجة موقوفة ممكنة أخرى تبدو كذلك، حيث يكون طرفا الحبل مثبتين في مكانهما أيضًا. كلما ولدنا المزيد من الموجات الموقوفة الممكنة، نرى مرارًا وتكرارًا أن نقاط البداية والنهاية، أي الشروط الحدية، تؤثر على الموجات الممكنة. يحدث الأمر عينه مع الموجات الكهرومغناطيسية التي تتكون داخل الصندوق.
إذا تخيلنا أن الموجات الكهرومغناطيسية تتحرك في هذا البعد، فيمكن أن تكون لدينا موجة بهذا الشكل، أو بهذا الشكل وهكذا. وكما هو الحال مع الحبل المثبت بين حائطين، فإن حدود التجويف التي لدينا هي التي تحدد الموجات الكهرومغناطيسية الممكنة داخل الصندوق. هذه الموجات المغناطيسية المسموح بها داخل الصندوق تسمى أنماط التجويف. ويشار إلى كل موجة موقوفة بوصفها نمط تجويف. كل هذا يعني أننا إذا نظرنا من خارج الجسم الأسود إلى الإشعاع الخارج منه، فلن نرى سوى ترددات معينة للإشعاع، وهي الترددات التي تتوافق مع أبعاد التجويف.
ذكرنا سابقًا أن الجسم الأسود يبعث ضوءًا وفقًا لدرجة حرارته. إذا كان الصندوق موجودًا في درجة حرارة منخفضة نسبيًّا، فلن نرى سوى نمط تجويف يصل إلى أعيننا. ولكن يكون تردد هذا النمط أقل مما سيكون عليه إذا كانت درجة حرارة الصندوق أعلى. إذن، بالنسبة لجسم أسود ذي درجة حرارة أقل، فإن احتمالية رصد موجة ذات تردد أقل، مثل هذه الموجة، تزيد عن احتمالية رصد إشعاع منبعث مثل هذا له تردد أعلى نسبيًّا.
لاحظ أن الموجتين تمثلان نمطي التجويف الذي لدينا. كل ما في الأمر أن الموجات ذات التردد الأعلى يصبح انبعاثها أكثر ترجيحًا مع ارتفاع درجة حرارة الجسم الأسود. لنفهم الكيفية التي ترتبط بها درجة حرارة الجسم الأسود وشدة الإشعاع المنبعث والطول الموجي للإشعاع المنبعث، يمكننا رسم تمثيل بياني. في هذا التمثيل البياني، نسمي المحور الأفقي بـ 𝜆 للإشارة إلى الطول الموجي للإشعاع المنبعث من الجسم الأسود. وعلى المحور الرأسي، نوضح شدة هذا الإشعاع.
إذا أحضرنا جسمًا أسود وحافظنا على درجة حرارته عند قيمة ثابتة، ثم مثلنا شدة الإشعاع المنبعث من الجسم الأسود مقابل الطول الموجي لهذا الإشعاع، فسيبدو المنحنى بهذا الشكل. لاحظ أن هناك إشعاعًا منبعثًا لكل طول موجي داخل هذا النطاق. وهذا يعكس حقيقة أن أنماط التجويف المختلفة في الجسم الأسود يمكن أن تكون متماثلة تقريبًا في الطول الموجي. وبالتالي، يكون الإشعاع المنبعث متصلًا بصورة فعلية في النطاق الذي ننظر إليه.
وإذا خفضنا درجة حرارة الجسم الأسود، ثم مثلنا منحناه عند درجة حرارة جديدة أقل، فسيبدو كهذا المنحنى. وإذا انخفضت درجة حرارة الجسم الأسود أكثر، فسيبدو المنحنى بذا الشكل. نلاحظ أن الاتجاه العام هو أنه كلما انخفضت درجة حرارة الجسم الأسود، يصبح المنحنى أكثر تسطحًا وتتحرك قمته إلى اليمين نحو طول موجي أطول.
هذا جيد، ولكن في أواخر القرن التاسع عشر، تنبأت إحدى النظريات بأن منحنى شدة إشعاع الجسم الأسود مقابل الطول الموجي يجب أن يكون بهذا الشكل. إذا قارنا هذا المنحنى الأخضر المتوقع بالبيانات التجريبية الفعلية للمنحنيات الأخرى، فسنلاحظ وجود توافق جيد حين يزداد الطول الموجي أكثر فأكثر. ولكن مع انخفاض الطول الموجي للإشعاع المنبعث من الجسم الأسود، توقعت النظرية الفيزيائية في ذلك الوقت وجود زيادة مستمرة في شدة الإشعاع.
وفي الحقيقة، مع اقتراب 𝜆 من صفر، توقعت النظرية أن تصل شدة الإشعاع إلى ما لا نهاية. لنفهم ما يعنيه هذا فيزيائيًّا، نفترض أن لدينا جسمًا أسود هنا. لوناه باللون الأسود، ويسمى بالجسم الأسود لأن الأجسام السوداء تمتص الإشعاع المرئي كله. لاحظ أن الجسم الأسود المثالي سيمتص الإشعاع كله وليس الضوء المرئي فقط.
على أي حال، لدينا هذا الجسم الأسود. لنفترض أنه في حالة اتزان حراري مع البيئة المحيطة به. بعبارة أخرى، فهو عند درجة حرارة ثابتة 𝑇. تنبأت النظرية الفيزيائية الكلاسيكية في الماضي بأن يشع هذا الجسم الأسود الموجود عند درجة حرارة ثابتة كمية لا نهائية من الطاقة. ولكن هذا أمر غير منطقي لأن درجة حرارة هذا الجسم الأسود ثابتة. فيجب أن تكون كمية الطاقة ثابتة. يعني هذا أنه إذا كان يشع طاقة لا نهائية، فإنه سيحتاج لامتصاص نفس القدر أيضًا ليحافظ على درجة حرارة ثابتة.
بجانب كل هذا، فكرة أن جسمًا ما ذا حجم محدد يمكنه امتصاص ثم إشعاع كمية لا نهائية من الطاقة تبدو غير منطقية أيضًا. وهذا المنحنى الأخضر المقصود به تفسير إشعاع الجسم الأسود كان مبنيًّا على افتراض أن الطاقة خاصية متصلة. وبالتالي، إذا تخيلنا قيمتي الطاقة العظمى والصغرى لنظام ما، فقد كان الاعتقاد السائد في ذلك الوقت أنه من الممكن أن يكون للنظام أي مقدار من الطاقة بين هاتين القيمتين. يمكننا القول إنه لم يكن هناك قيم غير ممكنة.
ويمكننا أن نلاحظ كيف بدت هذه الرؤية بديهية. لكن مفهوم الطاقة هذا تسبب في المشكلة التي نراها. حيث توقع أن أي جسم أسود له درجة حرارة محددة يجب أن يبعث كمية لا نهائية من الطاقة. توصل عالم يسمى ماكس بلانك إلى فكرة عندما واجه هذه المشكلة. تساءل بلانك: ماذا لو لم توجد الطاقة بشكل متصل، ولكن بدلًا من ذلك يمكن أن تأخذ قيمًا محددة ضمن أي نظام؟
يبدو الأمر مشابهًا لصعود أو نزول السلم. يمكن أن يقف شخص على درجة أو أخرى من السلم، لكنه لا يمكنه أن يقف بينهما. هذه هي فكرة بلانك عن طاقة النظام. وهذه الرؤية القائلة إن الطاقة تأتي فقط في قيم معينة منفصلة، أي إنها مكماة، أصبحت أساس ميكانيكا الكم. ولكن كل ذلك أتى لاحقًا. ما كان بلانك يحاول فعله هو مطابقة النظرية السائدة في ذلك الوقت بالبيانات التجريبية المجمعة من إشعاع الجسم الأسود. وعندما توصل بلانك إلى فرضية تكمية الطاقة وعرف ما تعنيه بالنسبة لمنحنيات الجسم الأسود، وجد أن هذه التوقعات النظرية التي تفترض تكمية الطاقة تتفق مع النتائج التجريبية.
في الحقيقة، هذا ما قاله بلانك. حيث قال: تخيل أن لدينا نظامًا يهتز بالتردد 𝑓. قد يكون هذا النظام، كما أسميناه، بسيطًا للغاية. فيمكن أن يكون بسيطًا بحيث لا يزيد عن موجة كهرومغناطيسية واحدة. قال بلانك إن هذا النظام يمكن أن يكون له قيم محددة من الطاقة. وهذه القيم تساوي عددًا صحيحًا 𝑛، مضروبًا في الثابت ℎ مضروبًا في تردد اهتزاز النظام. إذن، إذا كان لدينا نظام يهتز بالتردد 𝑓، فهناك قيم محددة مما يمكن تسميته بمستويات الطاقة المسموح بها لهذا النظام. وهي الطاقة 𝐸 في هذه المعادلة.
وكما قلنا، فهي تساوي قيمة صحيحة. هذه القيمة الصحيحة قد تكون صفرًا أو واحدًا أو اثنين وهكذا، مضروبة في الثابت ℎ، الذي أصبح يسمى ثابت بلانك، مضروبًا في تردد النظام. إذا نظرنا إلى ثابت بلانك مضروبًا في 𝑓، أي تردد النظام، فإننا نطلق على حاصل الضرب هذا كم الطاقة لهذا النظام. ويمكننا أن نقول إنه أصغر جزء من الطاقة يمكن أن يحمله النظام.
وبالرجوع إلى مثال السلم الذي استخدمناه، يمكننا التفكير في ℎ مضروبًا في 𝑓 باعتباره فرق الطاقة بين كل درجة سلم والدرجة التي تليها. بمجرد أن نصعد أول درجة في السلم، نحصل على كمية طاقة تساوي حاصل ضرب ℎ في 𝑓. وعندما نصعد الدرجة الثانية، نحصل على كمية أكبر، وهكذا حتى نصل إلى أعلى درجة في السلم. الفكرة أنه بغض النظر عن درجة السلم التي نقف عليها، فإن طاقتنا الكلية ستساوي دائمًا عددًا صحيحًا مضروبًا في هذا المقدار الأساسي، أي ℎ مضروبًا في 𝑓.
من المهم الآن الإشارة إلى أنه عندما طور بلانك هذه المعادلة، كان يفكر في الإشعاع الكهرومغناطيسي تحديدًا. علاوة على ذلك، فإن مقدار الإشعاع الكهرومغناطيسي الذي يحمل كمًّا من الطاقة صار يسمى فوتونًا. هذا مفيد لأنه يمكن تمييز الفوتون بتردد واحد معين. لنلق نظرة الآن على كيفية تطبيق هذه المعادلة على فوتونين لهما ترددان مختلفان تمامًا.
لنفترض أن لدينا فوتونًا هنا ذا تردد سنسميه 𝑓. ولنفترض أيضًا أن لدينا فوتونًا ثانيًا ذا تردد أكبر بثلاثة أمثال. نرسم الطاقة التي يحملها كل من الفوتونين المختلفين. نستخدم بعد ذلك معادلة بلانك لإيجاد طاقة الفوتون، وبما أن لدينا فوتونًا واحدًا من كل نوع، ففي كلتا الحالتين، 𝑛 يساوي واحدًا. إذن، إجمالي طاقة الفوتون يساوي ثابت بلانك ℎ مضروبًا في تردد الفوتون.
وبناء عليه، الفوتون ذو التردد 𝑓 له مستوى طاقة عند هذه النقطة. والفوتون الذي تردده ثلاثة 𝑓 طاقته أكبر بمقدار ثلاثة أمثال. في هذا الرسم، نرى كم الطاقة لكل من الفوتونين. بالنسبة للفوتون ذي التردد الأقل، كم الطاقة يساوي ℎ مضروبًا في 𝑓. وبالنسبة للفوتون ذي التردد الأعلى، كم الطاقة يساوي ثلاثة أمثال ذلك.
ماذا لو أضفنا فوتونات إلى النظام؟ لنفترض أنه بدلًا من أن يكون لدينا فوتون واحد بالتردد 𝑓، لدينا ثلاثة فوتونات. في هذه الحالة، سيكون لدينا في الرسم البياني كم واحد ثم كمان ثم ثلاثة كمات من الطاقة. وبالتالي، مجموع طاقات الفوتونات الثلاثة المنخفضة التردد يساوي طاقة الفوتون الواحد العالي التردد. وإذا أضفنا فوتونًا آخر منخفض التردد، فسنضيف وحدة طاقة إضافية لمقدار الطاقة.
يمكننا ملاحظة أنه على الرغم من أن الطاقة مكماة، كما زعم بلانك، أي إنها تأخذ قيمًا محددة فقط، فليست كمات الطاقة كلها متساوية. حيث تصبح كمات طاقة الفوتون أكبر أو أصغر حسب تردد الفوتون.
بالرجوع إلى منحنى إشعاع الجسم الأسود، نجد أن فكرة أن الطاقة مكماة وليست متصلة كانت جزءًا من الحل. تخيل مرة أخرى أن لدينا جسمًا أسود يمتص فوتونًا مرتفع الطاقة. لنقل إنه أشعة جاما. بعبارة أخرى، الطول الموجي لهذا الإشعاع صغير جدًّا. يعني هذا أن تردد هذا الفوتون كبير جدًّا. وبالتالي، كم طاقته كبير جدًّا أيضًا.
لنفترض أن الجسم الأسود امتص فوتونًا طاقته مرتفعة للغاية، ثم بعث مباشرة فوتونًا له مقدار الطاقة المرتفعة نفسه. ففي هذه الحالة، ما كان ذلك ليحل المسألة، إذ إنه وفقًا لتوقعنا، كلما كان الطول الموجي أقصر، ازدادت الطاقة المنبعثة أكثر فأكثر بشكل لا نهائي.
إليك الطريقة التي فسر بها هذا التفاوت في النهاية. بالنسبة لجسم أسود عند أي درجة حرارة، من الأرجح أن تنبعث طاقة بعدد كبير من الفوتونات المنخفضة الطاقة عن أن ينبعث فوتون واحد مرتفع الطاقة. بمعنى أنه حتى إذا امتص جسم أسود كمًّا كبيرًا من الطاقة مرة واحدة عن طريق سقوط فوتون مرتفع الطاقة عليه، فمن جهة الاحتمالات، من غير المرجح أن يبعث فوتونًا مماثلًا مرتفع الطاقة. بدلًا من ذلك، الاحتمال الأكبر هو أن يبعث الجسم الأسود عدة فوتونات منخفضة الطاقة تضاف طاقة بعضها إلى بعض وصولًا إلى الطاقة الكلية التي امتصها الجسم من فوتون واحد مرتفع الطاقة.
بالرجوع إلى التمثيل البياني لطاقة الفوتون مقابلًا لتردده، فإن الجسم الأسود الذي امتص فوتونًا يحمل هذا الكم من الطاقة، من الأرجح أنه يبعث بعد ذلك فوتونًا واحدًا، فوتونين، ثلاثة فوتونات ذات طاقة أقل يضاف بعضها إلى بعض وصولًا إلى الطاقة الكلية التي امتصها. وهذا يفسر اتجاه منحنيات إشعاع الجسم الأسود إلى الصفر عند اتجاه الطول الموجي إلى الصفر. فحتى إذا امتص الجسم الأسود فوتونًا طاقته مرتفعة للغاية، فمن المستبعد أن يطلق هذه الطاقة من خلال انبعاث فوتون مرتفع الطاقة. لكن على الأرجح أنه سيفعل ذلك عن طريق بعث العديد من الفوتونات منخفضة الطاقة. ومع اتجاه هذا الطرف من المنحنى إلى الصفر، فإن الطرف الآخر الذي يزداد فيه الطول الموجي أكثر، سيتجه إلى الصفر أيضًا.
يمكننا فهم هذا بالأخذ في الاعتبار أن الطول الموجي وطاقة الموجة يتناسبان عكسيًّا. فكلما بعث الجسم الأسود أنماط تجويف ذات طول موجي أكبر فأكبر، تنخفض طاقة هذه الموجات أكثر فأكثر. إذن، على الرغم من أن الجسم الأسود يبعث إشعاعًا طوله الموجي كبير جدًّا، تصبح طاقة هذا الإشعاع ضئيلة جدًّا عند الأطوال الموجية الكبيرة للغاية. بعد أن فهمنا هذا الرسم، دعونا نلخص ما تعلمناه عن إشعاع الجسم الأسود.
في البداية، عرفنا أن الجسم الأسود المثالي يمتص الإشعاع الساقط عليه كله، كما يبعث إشعاعًا بناء على درجة حرارة الجسم الأسود. عرفنا بعد ذلك أن الجسم الأسود المصنوع من تجويف، مثل الصندوق لدينا، يبعث إشعاعًا يسمى أنماط التجويف. وهي الأشكال الموجية المسموح بها حسب هندسة التجويف.
وأخيرًا، عرفنا فكرة بلانك التي توضح أن الطاقة مكماة. وتخبرنا أن طاقة الفوتون الواحد تساوي تردد هذا الفوتون مضروبًا في ثابت بلانك. كما تخبرنا أن طاقة مجموعة من الفوتونات المتماثلة تساوي ℎ مضروبًا في ترددها في عدد الفوتونات الموجودة. ساعدتنا هذه الفكرة على فهم إشعاع الجسم الأسود وتقليل أوجه الاختلاف بين التوقعات النظرية والبيانات التجريبية.