نسخة الفيديو النصية
المتجه هو وحدة البناء الأساسية للجبر الخطي، بل هو الأساس الذي يرتكز عليه الجبر الخطي بأكمله، ومن ثم فالأمر يستحق أن نتأكد من اتفاقنا جميعًا على تعريف محدد للمتجه. نلاحظ، بوجه عام، أن ثمة ثلاثة مناظير مختلفة — وإن كانت مرتبطة — بشأن المتجهات، وهي كما سأسميها: منظور طلاب الفيزياء، ومنظور طلاب علوم الكمبيوتر، ومنظور المتخصصين في الرياضيات. فمن منظور طلاب الفيزياء، المتجهات هي أسهم موجهة في الفضاء. وما يميز أي متجه معطى هو طوله والاتجاه الذي يشير إليه، ولكن طالما لم تتغير هاتان الحقيقتان، يمكنك تحريك المتجه في جميع الأنحاء وسيظل المتجه هو نفسه.
المتجهات الموجودة على الأسطح المستوية هي متجهات ثنائية الأبعاد، وتلك الموجودة في الفضاء الأوسع، حيث نعيش أنا وأنت، هي متجهات ثلاثية الأبعاد. أما من منظور طلاب علوم الكمبيوتر، فالمتجهات هي قوائم مرتبة من الأعداد. على سبيل المثال، لنقل إنك تجري بعض التحليلات بشأن أسعار المنازل، وإن الميزتين الوحيدتين اللتين تعنيانك كانتا المساحة بالقدم المربعة والسعر. يمكنك التعبير عن كل منزل بزوج من الأعداد: الأول يمثل المساحة بالقدم المربعة والثاني يمثل السعر. لاحظ أن الترتيب مهم هنا. وفقًا لهذا المنظور، سنعبر عن المنازل في صورة متجهات ثنائية الأبعاد، حيث يكون «المتجه» في هذا السياق مجرد كلمة افتراضية مرادفة لكلمة «قائمة»، وما يجعله «ثنائي الأبعاد» هو حقيقة أن طول تلك القائمة يتسع لسطرين.
أما علماء الرياضيات، على الجانب الآخر، فيسعون إلى تعميم هذين المنظورين، بقولهم ببساطة إن المتجه يمكن أن يكون أي شيء ما دام من المعقول جمع متجهين معًا وضرب متجه في عدد ما، وهما عمليتان سنتحدث عنهما لاحقًا في هذا الفيديو. تفاصيل وجهة النظر هذه مجردة للغاية، وأعتقد حقًّا أن من الأفضل تجاهلها حتى نصل إلى الفيديو الأخير في هذه السلسلة، إذ إنه من الأفضل البدء بإطار ملموس أكثر تحديدًا، ولكن السبب في تناولي لها هنا هو أنها تشير إلى حقيقة الدور المهم الذي ستلعبه تلك الأفكار المتمثلة في جمع المتجهات وضربها في أعداد في الجبر الخطي بأكمله.
ولكن قبل أن أتحدث عن تلك العمليات، دعونا نستقر على فكرة محددة لتكون في أذهاننا عندما أذكر كلمة «متجه». في ضوء المنظور الهندسي الذي أسعى إلى شرحه هنا، فإنني في كل مرة أتناول فيها موضوعًا جديدًا يخص المتجهات، أريدك أولًا أن تتصور سهمًا، وأريدك تحديدًا أن تتصور ذلك السهم في نظام إحداثي، مثل المستوى 𝑥𝑦، حيث يستقر طرف بدايته عند نقطة الأصل. وهذا يختلف بعض الشيء عن منظور طلاب الفيزياء القائلين بأن المتجهات قد توجد في أي مكان في الفضاء. ففي الجبر الخطي، تكون بداية المتجه في أغلب الأحيان تقريبًا عند نقطة الأصل. إذن، بمجرد أن نستوعب مفهومًا جديدًا في سياق الأسهم في الفضاء، فإننا نعبر عنه بمنظور قائمة الأعداد، وهو ما يمكننا فعله بالنظر إلى إحداثيي المتجه.
الآن، بما أنني متأكد من أن هذا النظام الإحداثي مألوف بالفعل للعديد منكم، فمن المفيد شرحه بالتفصيل، طالما أن هذا هو المكان الذي يشهد كل التفاعلات المهمة بين منظوري الجبر الخطي السابق ذكرهما. وبما أننا نركز اهتمامنا حاليًّا على الفضاء الثنائي الأبعاد، فإنك تجد أن ثمة خطًّا رأسيًّا يسمى المحور 𝑥 وخطًّا أفقيًّا يسمى المحور 𝑦. والموضع الذي يتقاطعان فيه يسمى نقطة الأصل، التي عليك اعتبارها مركز الفضاء وأصل كل المتجهات. بعد اختيار طول عشوائي لتمثيل أحد المتجهات، ضع علامات تجزئة على كل محور لتمثيل هذه المسافة. وعن نفسي، عندما أريد إيصال فكرة الفضاء الثنائي الأبعاد ككل، الأمر الذي سترى أنه كثيرًا ما يطرح في مقاطع الفيديو الخاصة بهذه السلسلة، فإنني أمد علامات التجزئة هذه لرسم خطوط شبكة، ولكنها ستكون مصدر تشتيت كبير الآن.
إحداثيا أي متجه هما زوج من الأعداد يرشدنا في الأساس إلى اتجاه المتجه وطوله من طرف بدايته، عند نقطة الأصل، إلى طرف نهايته. يخبرنا العدد الأول بمقدار التحرك على طول المحور 𝑥، والأعداد الموجبة تشير إلى التحرك جهة اليمين، بينما تشير الأعداد السالبة إلى التحرك جهة اليسار، ويخبرنا العدد الثاني بمقدار التحرك على طول المحور 𝑦 بعد ذلك؛ إذ تشير الأعداد الموجبة إلى التحرك لأعلى، بينما تشير الأعداد السالبة إلى التحرك لأسفل. للتمييز بين المتجهات والنقاط، جرى العرف على كتابة هذا الزوج من الأعداد بصورة رأسية مع وضع أقواس مربعة حوله. كل زوج من الأعداد يعطيك متجهًا واحدًا فقط، وكل متجه مرتبط بزوج واحد فقط من الأعداد.
الآن، ماذا عن الوضع في الفضاء الثلاثي الأبعاد؟ حسنًا، عليك أن تضيف محورًا ثالثًا، يسمى المحور 𝑧، والذي يكون متعامدًا على كلا المحورين 𝑥 و𝑦. وفي هذه الحالة، يكون كل متجه مرتبطًا بثلاثة أعداد مرتبة: يخبرك العدد الأول بمقدار التحرك على طول المحور 𝑥، ويخبرك العدد الثاني بمقدار التحرك على المحور 𝑦، ويخبرك العدد الثالث بمقدار التحرك على طول المحور 𝑧 الجديد هذا. كل ثلاثة أعداد تعطيك متجهًا واحدًا فقط في الفضاء، وكل متجه في الفضاء يعطيك ثلاثة أعداد مرتبة فقط. حسنًا، لنرجع مرة أخرى إلى جمع المتجهات وضربها في أعداد قياسية. كل موضوع من موضوعات الجبر الخطي يتمحور حول هاتين العمليتين. ولحسن الحظ، كل منهما يمكن تعريفها ببساطة جدًّا.
لنقل إن لدينا متجهين: أحدهما يشير لأعلى ولليمين قليلًا، والآخر يشير لليمين ولأسفل قليلًا. لجمع هذين المتجهين، نحرك الثاني بحيث يستقر طرف بدايته عند طرف نهاية الأول. ثم إذا رسمت متجهًا جديدًا من طرف بداية الأول إلى حيث يستقر طرف نهاية الثاني الآن، فإن هذا المتجه الجديد هو مجموعهما معًا. وبالمناسبة، وفقًا لهذا التعريف، هذه هي الحالة الوحيدة فقط في الجبر الخطي التي نسمح فيها للمتجهات بترك نقطة الأصل.
السؤال الآن: لماذا من المنطقي أن نفعل ذلك؟ ولماذا يعرف الجمع على هذا النحو وليس بأي تعريف آخر؟ حسنًا، دعونا نتصور أن كل متجه يمثل حركة معينة، أي خطوة بمسافة معينة واتجاه معين في الفضاء. إذا أخذت خطوة بمحاذاة المتجه الأول، فعليك أخذ خطوة في الاتجاه وبالمسافة اللذين يمثلهما المتجه الثاني، ويكون مجمل التأثير الناتج عن ذلك مماثلًا تمامًا لحالة لو تحركت على مجموع هذين المتجهين من البداية. يمكنك التفكير في الأمر باعتباره توسيعًا لطريقة تفكيرنا في جمع الأعداد على خط الأعداد. إحدى الطرق التي نعلم بها الأطفال التفكير في هذا الأمر، ليكن — مثلًا — في حالة جمع اثنين وخمسة، هي التفكير في التحرك خطوتين إلى اليمين، ثم خمس خطوات أخرى إلى اليمين. ومجمل التأثير الناتج عن ذلك يكون مماثلًا لحالة لو كنا تحركنا مقدار سبع خطوات إلى اليمين.
حسنًا، لنر كيف يبدو جمع المتجهات عدديًّا. للمتجه الأول هنا الإحداثيان واحد واثنان. وللمتجه الثاني الإحداثيان ثلاثة وسالب واحد. عندما تأخذ مجموع المتجهين باستخدام طريقة جمع طرف نهاية المتجه إلى طرف بدايته، فيمكنك التفكير في مسار مكون من أربع خطوات من نقطة الأصل إلى طرف نهاية المتجه الثاني: تحرك بمقدار واحد إلى اليمين ثم بمقدار اثنين لأعلى ثم بمقدار ثلاثة إلى اليمين ثم بمقدار واحد لأسفل. بإعادة تنظيم هذه الخطوات بحيث تتخذ أولًا جميع التحركات في اتجاه اليمين ثم جميع التحركات الرأسية، يمكنك وصف الطريقة كالآتي: «تحرك أولًا بمقدار واحد زائد ثلاثة إلى اليمين، ثم تحرك بمقدار اثنين ناقص واحد لأعلى»، ومن ثم يصبح للمتجه الجديد الإحداثيان واحد زائد ثلاثة واثنان زائد سالب واحد.
بوجه عام، يبدو جمع المتجهات بطريقة قائمة الأعداد هذه كما لو كنا نقارن بين حدود تلك المتجهات بحثًا عن المتشابه منها ونجمعه معًا. أما عن العملية الأساسية الثانية التي تجرى على المتجهات، فهي الضرب في عدد ما. حسنًا، يمكننا فهم ذلك بشكل أفضل بمجرد النظر إلى بضعة أمثلة. إذا أخذت العدد اثنين وضربته في متجه معطى، فهذا يعني أنك تمد ذلك المتجه بحيث يصبح أطول مرتين عما كان عليه في البداية. وإذا ضربت ذلك المتجه في ثلث مثلًا، فهذا يعني أنك تقلص طوله بحيث يصبح ثلث طوله الأصلي. وعندما تضربه في عدد سالب، مثل سالب 1.8، فإن المتجه ينعكس أولًا إلى الناحية الأخرى ثم يمتد بمقدار ذلك العامل 1.8. تسمى هذه العملية من تمديد المتجه، أو تقليصه، أو عكس اتجاهه أحيانًا، بالضرب في كمية قياسية. ومتى وصلت إلى عدد مثل اثنين أو ثلث أو سالب 1.8 يمكن ضرب المتجه فيه بما يؤدي إلى تمديده أو تقليصه أو عكس اتجاهه، فإنه يسمى «كمية قياسية».
في الواقع، في الجبر الخطي بأكمله، أحد الأدوار الأساسية التي تؤديها الأعداد هو ضرب المتجهات بما يؤدي إلى تمديدها أو تقليصها أو عكس اتجاهها، ومن ثم فمن الشائع استخدام مصطلح «كمية قياسية» بالتبادل مع مصطلح «عدد قياسي».
عدديًّا، يناظر تمديد أحد المتجهات بمعامل ما، لنقل اثنين، ضرب كلتا مركبتيه في هذا العامل، أي الاثنين، إذن في طريقة تمثيل المتجهات بقائمة من الأعداد، ضرب متجه معطى في كمية قياسية يعني ضرب كل مركبة من هاتين المركبتين في تلك الكمية القياسية. وستعرف في مقاطع الفيديو التالية ما أعنيه بقولي إن موضوعات الجبر الخطي تكاد تتمحور حول هاتين العمليتين الأساسيتين: جمع المتجهات والضرب في كمية قياسية. وسأتحدث باستفاضة في الفيديو الأخير عن طريقة تناول علماء الرياضيات لهاتين العمليتين فحسب، والسبب وراء ذلك، وسيكون هذا على نحو منفصل ومستقل عن أي طريقة أخرى قد تختارها لتمثيل المتجهات.
في الحقيقة، لا يهم ما إذا كنت تتصور المتجهات في الأساس أسهمًا في الفضاء ذات تمثيل عددي منمق، وهذا ما أرجح أن تفعله، أو ما إذا كنت تتصورها قوائم من الأعداد ذات تمثيل هندسي منمق. فجدوى الجبر الخطي لا تعتمد على أي من هذين المنظورين بقدر اعتمادها على القدرة على التنقل بينهما. إذ تتيح تلك القدرة لمحلل البيانات طريقة جيدة لتصور عدد كبير من قوائم الأعداد مرئيًّا، الأمر الذي يوضح الأنماط بدقة في البيانات ويعطي نظرة عامة عما تفعله عمليات بعينها. كما أنها — على الجانب الآخر — تتيح لأشخاص مثل الفيزيائيين ومبرمجي رسومات الكمبيوتر لغة لوصف الفضاء ومعالجته باستخدام الأعداد التي يمكن تحليلها وحسابها باستخدام الكمبيوتر.
على سبيل المثال، عندما أعد مقاطع فيديو لشرح الرياضيات تستند إلى الرسوم المتحركة، فإنني أبدأ بالتفكير فيما يحدث بالفعل في الفضاء، ثم أجعل الكمبيوتر يمثل الأشياء عدديًّا، وبذلك يحدد مواضع وحدات البكسل على الشاشة. وعادة ما يعتمد ذلك على وجود قدر كبير من الاستيعاب للجبر الخطي. إذن، هذه هي أساسيات المتجهات، وفي الفيديو القادم، سأبدأ في تناول بعض المفاهيم المتعلقة بالمتجهات، مثل المدى والأساس والاعتماد الخطي، وذلك بشكل مرتب ومنمق. إلى اللقاء حتى ذلك الحين!