نسخة الفيديو النصية
تخيل أن لديك جهازًا لكشف الكذب قادرًا على كشف الحقيقة أو الكذب بمعدل تسع مرات من أصل 10 مرات. ستكون قادرًا في أغلب الأحيان على اكتشاف ما إذا كان الشخص يقول الصدق أم يكذب! كم سيكون ذلك عبقريًا في حل الجرائم أو اكتشاف من أكل قطعة البسكويت الأخيرة دون أن يخبر أحدًا!
لنتجاهل مسألة ما إذا كان الأشخاص قد يتعلمون التغلب على جهاز كشف الكذب عن طريق قرص أنفسهم أو تخيل أنفسهم وهم في حالة من الاسترخاء على الشاطئ بينما يجيبون على أسئلتك، ولنفترض أن جهاز كشف الكذب سيكون دقيقًا بنفس الدرجة مع جميع من يخضعون للاختبار. هذا معناه أن كل ما تحتاج إلى فعله هو إخضاعهم لجهاز كشف الكذب. فعندما يومض اللون الأحمر الذي يدل على كذب أحدهم، ستكون متأكدًا بنسبة 90 بالمائة أنه يكذب. مذهل!
لكن، مهلًا! لقد نسينا احتمالًا شرطيًا أساسيًا هنا. إن اختبارًا دقيقًا بنسبة 90 بالمائة لا يعدل التأكد بنسبة 90 بالمائة أن الشخص يكذب إذا أخبرنا الجهاز بذلك. فإذا كان الجهاز دقيقًا بنسبة 90 بالمائة؛ فإنه إذن يصيب في تعيين تسع كذبات من أصل 10 باعتبارها كذبًا، ويخطئ في تعيين كذبة واحدة من أصل 10 كذبات باعتبارها حقيقة. كما أنه يصيب في إثبات أن أحدهم يقول الصدق في تسع مرات من أصل 10، ويتهمه بالكذب خطأ في مرة واحدة من أصل 10 مرات.
وهذا كله جيد إذا كان الجميع يصدقون ويكذبون بالقدر نفسه. لكن في واقع الأمر، يقول الناس الصدق أكثر مما يكذبون! لنفترض جدلًا أن 90 بالمائة من الأقوال صادقة، و10 بالمائة فقط كاذبة. لنتخيل الآن أن لدينا تجربة نجري فيها 100000 اختبار، ونرى ما يحدث عندما نجمع النتائج في جدول.
في هذه الـ 100000 اختبار، 90 بالمائة من الناس يقولون الصدق. هذا يعادل 90000 من الأقوال الصادقة الفعلية، و10000 كذبة فعلية. يخبرنا جهاز كشف الكذب بأن 90 بالمائة من الأقوال الصادقة الفعلية تمثل حقيقة، وهذا يعادل 81000. لكنه يعتبر خطأ أن 10 بالمائة من الأقوال الصادقة هي كذب، وهذا يعني 9000 اتهام خاطئ بالكذب. يصيب الجهاز في تعيين 90 بالمائة من 10000 كذبة باعتبارها كذبًا، وهو ما يعادل 9000، بينما يقول خطأ إن 10 بالمائة من الكذبات تمثل حقيقة، وهو ما يعادل 1000 كذبة يخطئها الجهاز ويتعامل معها باعتبارها حقيقة.
إذن يعتقد جهاز كشف الكذب أن هناك 82000 قول حقيقي و18000 كذبة. لقد أخطأ في تقدير عدد الأقوال الصادقة بالسلب في حين بالغ في تقدير عدد الكذبات. بوجه عام، أصاب الجهاز في تعيين 90000 قول صادق وهو ما يجعله موثوقًا بنسبة 90 بالمائة. لكن، ها هي النقطة المحورية. زعم الجهاز كذب 18000 قول، بالرغم من أنه لم يكن كاذبًا منها فعليًا سوى 9000 قول.
إذا اتهمك الجهاز بالكذب، فيوجد احتمال نسبته 9000 من أصل 18000 أنك تكذب فعلًا. وهذا يكافئ النصف؛ أي 50 بالمائة!!! بالرغم من أن الجهاز أصاب في وصف 90 بالمائة من الأقوال بكونها صادقة أو كاذبة، فإنه ليس أفضل حالًا من إلقاء عملة وتوقع إذا ما كنت تكذب أم لا. المشكلة أنه في ظل العدد الكبير جدًا من الأشخاص الذين يقولون الصدق، إذا رصد الجهاز خطأ 10 بالمائة من الأقوال الصادقة على أنها كذب، فإنه يفسد النتائج تمامًا. يجب علينا تحري الدقة التامة بشأن كيفية استخدام الاختبار.
إذا قال الجهاز إنك تكذب، فإن درجة الموثوقية البالغة نسبتها 90 بالمائة في غير محلها. علينا التفكير في الأمر ككل بما في ذلك مدى تفشي الكذب داخل المجتمع الإحصائي إجمالًا، وعدد الأقوال الصادقة التي أخطأ الجهاز واعتبرها كاذبة. في هذه الحالة، وجدنا أن ذلك يؤدي إلى استنتاج مفاده أن احتمال كونك تكذب هو 50 بالمائة فقط إذا قال الاختبار إنك تكذب.
في القرن الثامن عشر، طرح المبجل توماس بايز صيغة رياضية، يطلق عليها حاليًا نظرية بايز، وهي تساعدنا في حل الاحتمالات الشرطية. تنطبق النظرية على جميع أنواع المواقف مثل اختبارات كشف الكذب، والفحوصات الطبية، والتحقيقات الجنائية، واستبعاد رسائل البريد الإلكتروني غير المرغوب فيها، وتحديد موقع الحطام جراء الحوادث، وأمور أخرى كثيرة. احتمال وقوع الحدث 𝐴 بمعلومية الحدث 𝐵 يساوي احتمال وقوع الحدث 𝐵 بمعلومية الحدث 𝐴 مضروبًا في احتمال وقوع الحدث 𝐴، الكل مقسوم على احتمال وقوع الحدث 𝐵.
إنه أمر يستحق معرفة المزيد عنه فهو يمكنك من اتخاذ قرارات أكثر استنارة في المرة التالية التي تريد فيها معرفة من أكل قطعة البسكويت الأخيرة، أو التي تشير فيها نتائج الاختبارات على ما يبدو أنك من المحتمل بنسبة 90 بالمائة أن تكون مصابًا بمرض ما، أو إذا أردت أن تعرف لماذا يتخذ مرشح الرسائل الإلكترونية قرارات سيئة فيما يتعلق برسائلك الإلكترونية.