في هذا الشارح، سوف نتعلَّم كيف نَصِف الحركة البراونية للجزيئات، وكيف تُفسِّر هذه الحركة انتشار الغازات.
على نطاق صغير أو على المستوى الجزيئي، يُوجَد عدد هائل من الجزيئات في الموائع، ويمكن اعتبار هذه الجزيئات متطابقة.
وبشكل فردي، تتحرَّك الجزيئات في الغاز، على سبيل المثال، بطريقةٍ يمكن التنبؤ بها بناءً على تصادماتها مع الجزيئات الأخرى.
افترض أن لدينا عددًا قليلًا جدًّا من الجزيئات المحصورة في وعاء، وتخيَّل أيضًا أن جميع الجزيئات مستقرة في مكانها باستثناء جزيء واحد. قد يتصادم هذا الجزيء الذي يتحرَّك بحرية مع الجزيئات المستقرة، كما هو موضَّح.
بعد ذلك، تخيَّل أننا «نُحرِّر» جزيئًا واحدًا من تلك الجزيئات المستقرة ليُصبح حر الحركة أيضًا.
بالاستمرار على هذا المنوال، تصبح جميع الجزيئات في حالة حركة في النهاية، ويتصادم بعضها مع بعض إضافةً إلى تصادمها بجدار الوعاء.
من خلال حركة جميع الجزيئات معًا، تُشكِّل الجزيئات غازًا. فالغاز يتكوَّن من جزيئات حرة الحركة.
إذا أُضيف المزيد من الجزيئات إلى الوعاء، فستتعرَّض الجزيئات لتصادمات بمعدل أكبر، كما هو موضَّح في الآتي:
وسيؤدِّي ذلك إلى تغيُّر اتجاه الجزيء الملوَّن مرة تلو مرة؛ ومن ثَمَّ يسلك مسارًا يبدو أكثر عشوائيةً، ولكن مرة أخرى، ما يُحدِّد حركة الجزيء هو التصادمات التي يتعرَّض لها. وإذا علمنا موضع وسرعة كل جزيء في الوعاء عند اللحظة الابتدائية، فسنتمكَّن، نظريًّا، من حساب الحركة الناتجة عن أيٍّ من هذه الجزيئات بدقة.
لكن بالنسبة إلى الأنظمة الكبيرة من الجزيئات، فإن مثل هذه العمليات الحسابية قد تفُوق قدرة الحواسيب المتاحة. وفي حالات مثل هذه، قد تبدو حركة الجزيء عشوائية، إلا أنه يمكن التنبؤ بها في الواقع إذا كانت لدينا معلومات كافية عن النظام.
في مثل هذه الحالة، تُعرَف حركة الجزيء باسم الحركة البراونية.
تعريف: الحركة البراونية
الحركة البراونية هي الحركة العشوائية للجزيئات في نظام مكوَّن من عدة جزيئات متطابقة، كالسائل أو الغاز.
والجزيئات في مثل هذا النظام تُدفَع في أي اتجاه دون ترجيح لاتجاه على آخر بفعل التصادم. وبمرور الزمن، يميل الجزيء الذي يتحرَّك حركة براونية إلى أن تكون إزاحته من موضعه الأصلي تساوي صفرًا.
مثال ١: التعرُّف على الحركة البراونية لجزيء فردي
أيُّ حركةٍ من حركات الجزيئات الآتية تُمثِّل الحركة البراونية تمثيلًا صحيحًا؟
الحل
الحركة البراونية هي الحركة العشوائية للجزيئات الصغيرة في غاز أو سائل. وهذه الحركة ناتجة عن التصادمات بين الجزيئات؛ ومن ثَمَّ، فإن الجزيء الذي يتحرَّك حركة براونية سيغيِّر اتجاهه بوتيرة متزايدة. وتؤدِّي هذه التصادمات أيضًا إلى إعادة توجيه الجزيء في أي اتجاه دون ترجيح لاتجاه على آخر؛ ولذا، فإن الحركة البراونية تبدو عشوائية وغير منتظمة.
يوضِّح الخيار (أ) جزيئًا مستقرًّا. وبما أن الجزيئات في الحركة البراونية تتحرَّك بالفعل، إذن يمكننا استبعاد هذا الخيار.
يوضِّح الخيار (ب) جزيئًا يدور حول محور يمر بمركزه. لكن الحركة البراونية تتضمَّن جزيئات تتحرَّك مثل كرات البلياردو؛ أي إنها تُغيِّر اتجاهها بوتيرة مستمرة نتيجة التصادمات. والجزيء الذي يظل في مكان واحد أثناء الدوران لا يوضِّح هذا النوع من الحركة.
يوضِّح الخياران (ج) و(د) جزيئين متحرِّكين، لكن الحركة في الخيار (ج) حركة في خط مستقيم، وفي الخيار (د) حركة دائرية. وهذان ليسا نوع الحركة التي يُظهرها جزيء يتعرَّض للعديد من التصادمات مع جزيئات متطابقة متحرِّكة أخرى.
أما الخيار الأخير (هـ)، فإنه يوضِّح الحركة التي نجد صعوبة في توقُّع اتجاهها، وهو ما يعكس الطبيعة العشوائية للحركة البراونية. إذن الإجابة عن هذا السؤال هي هذا الخيار.
مثال ٢: اختيار الوصف الصحيح لجزيء يتحرَّك حركة براونية
أيٌّ ممَّا يلي يَصِف بصورة صحيحة الحركة البراونية للجزيئات؟
- لا تؤثِّر أيُّ قوة محصلة على الجزيء في الحركة البراونية.
- يتصادم الجزيء في الحركة البراونية بصورة متكرِّرة مع الجزيئات الأخرى؛ حيث يتحرَّك كلُّ جزيء باستقلال عن الجزيء الآخر.
- للجزيء في الحركة البراونية طاقة ميكانيكية ثابتة؛ ومن ثَمَّ، تكون إزاحته الكلية خلال الزمن صفرًا.
- ينجذب الجزيء في الحركة البراونية إلى موضعه الابتدائي؛ ومن ثَم، تكون إزاحته الكلية خلال الزمن صفرًا.
- يتصادم الجزيء في الحركة البراونية تصادمًا مرنًا تامًّا بأي شيء يلامسه؛ ومن ثَمَّ، يميل دائمًا إلى العودة إلى موضعه الابتدائي.
الحل
لا تَصِف الحركة البراونية حركة الأجسام على مستوى الأبعاد الكبيرة التي نتعامل معها في حياتنا اليومية، بل تَصِف حركة الجزيئات على مستوى الأبعاد الصغيرة. على وجه التحديد، يمكننا تخيُّل جزيئات غاز أو سائل تتصادم مع العديد من الجسيمات المتطابقة الأخرى في حيِّزٍ ما.
في هذه الحالة، فإن العامل الوحيد الهام الذي يُحدِّد حركة جزيء معيَّن هو التصادمات التي يتعرَّض لها. وتساوي القوة بين أي زوج من الجزيئات صفرًا.
بالنظر إلى الخيارات التي لدينا، نجد أن الخيار (د) فقط هو الذي يُشير إلى وجود قوة تجاذُب بين جزيء يتحرَّك حركة براونية وموضعه الابتدائي، وهذا ليس صحيحًا بالطبع. فلا يوجد جزيء تَنتج عنه هذه القوة؛ أي إن هذه القوة غير موجودة.
يُعَد الخيار (أ) صحيحًا بوجه عام فيما يتعلَّق بأن الجزيء في الحركة البراونية لا تؤثِّر عليه قوة محصلة. لكن هناك فترات زمنية قصيرة يتصادم خلالها الجزيء وتؤثِّر عليه قوة محصلة، وبهذه الطريقة يتغيَّر اتجاه حركته.
يُشير الخيار (ج) إلى أن الجزيء في الحركة البراونية له طاقة ميكانيكية ثابتة؛ ومن ثَمَّ، تساوي إزاحته الكلية خلال الزمن صفرًا. وبالفعل إذا جمعنا طاقة الحركة وطاقة الوضع للجزيء في هذه الحركة، فإن الطاقة الميكانيكية ستكون ثابتة خلال الزمن. وأيضًا الإزاحة المتوسطة خلال الزمن الذي يستغرقه الجزيء في الحركة البراونية تساوي صفرًا بالفعل؛ فهو يميل للتحرُّك في جميع الاتجاهات من موضعه الابتدائي دون ترجيح لاتجاه على آخر.
لكن، لا يوجد سبب فيزيائي يجعل هاتين العبارتين مترابطتين منطقيًّا. على سبيل المثال، إذا تحرَّك جسم في خط مستقيم بسرعة ثابتة وارتفاع ثابت، فستكون له طاقة ميكانيكية ثابتة، لكن هذا لا يعني أن إزاحته خلال الزمن تساوي صفرًا. إذن لا يقدم الخيار (ج) ترابطًا صحيحًا بين الحقيقتين اللتين ينص عليهما.
وكذلك الخيار (هـ) يقدِّم حقيقتين عن الحركة البراونية، ولكن لا يربط بينهما بطريقة صحيحة فيزيائيًّا.
بمقارنة هذه الخيارات جميعها، نجد أن الخيار (ب) يوضِّح الوصف الصحيح لجزيء يتحرَّك حركة براونية. إن النظام الذي تَنتج عنه هذه الحركة يتكوَّن من العديد من الجزيئات المتحرِّكة بصورة مستقلة، والتي يؤثِّر بعضها على بعض أثناء التصادمات. والمسار غير المنتظم الذي يتبعه الجزيء نتيجة لهذه التصادمات العديدة دليلٌ على الحركة البراونية.
مثال ٣: تحديد اتجاه جزيء يتحرَّك حركة براونية
يتحرَّك الجزيء الموضَّح حركة براونية بين النقاط الموضَّحة عند اللحظات الزمنية ، ، . أيٌّ من الاتجاهات الموضَّحة يُرجَّح أن يتحرَّك الجزيء نحوه بعد ؟
- I
- II
- III
- IV
- جميع الاتجاهات متساوية في الترجيح.
الحل
يمكننا ملاحظة أن الجزيء الموضَّح يتحرَّك باتجاه اليمين بين اللحظتين ، ، وكذلك بين اللحظتين ، . وإذا لم نعلم أي شيء آخر عن هذا الجزيء، فمن المنطقي أن نتوقَّع أن حركته التالية ستكون باتجاه اليمين أيضًا.
لكننا نعلم أن هذا الجزيء يتحرَّك حركة براونية. وهذا يعني أن الجزيء يتحرَّك بفعل التصادمات مع الجزيئات الأخرى التي تتحرَّك بصورة مستقلة حوله. ويمكن لهذه الجزيئات الأخرى أن تتحرَّك في أي اتجاه دون ترجيح لاتجاه على آخر.
ومن ثَمَّ، يمكن أن يتصادم الجزيء الذي نتناوله في اتجاه الأعلى، أو الأسفل، أو اليمين، أو اليسار، أو في أي اتجاه على الإطلاق. إذن الإجابة هي الخيار (هـ): جميع الاتجاهات متساوية في الترجيح.
أحد تأثيرات الحركة البراونية هو أن الجزيئات توزِّع نفسها بالتساوي في الوعاء. على سبيل المثال، إذا وُجِدَت جزيئات أكثر في الجانب الأيمن من الوعاء في البداية، فستتحرَّك الجزيئات إلى اليسار بمرور الزمن وتُصبح موزَّعة بالتساوي.
يحدث ذلك نظرًا لأن أي جزيئات عندما تتحرَّك إلى المنطقة الأقل كثافةً في الوعاء تتعرَّض لعدد أقل من الحواجز التي تُعيق حركتها. فوجود عدد أقل من الجزيئات التي تتصادم معها يجعل هذا التمدُّد أسهل من الحركة في المناطق الأكثر كثافةً.
تُسمَّى عملية توزيع الجزيئات بالتساوي في حيِّز ما بالانتشار، وتَحدث عادةً في السوائل والغازات.
مثال ٤: توقُّع انتشار غازين مختلفين
تتكوَّن الحاوية الموضَّحة في الشكل من غرفتين متساويتَي الحجم. يُوجَد في الغرفتين غازان مختلفان، كلٌّ منهما عند درجة الحرارة نفسها. تتحرَّك جزيئات كلا الغازين حركة براونية. أُزيل الحاجز الفاصل بين الغرفتين. أيٌّ ممَّا يلي يُمثِّل التوزيع الصحيح لجزيئات الغازين بعد مرور بضع دقائق من إزالة الحاجز الفاصل؟
الحل
بالنسبة إلى هذه الحالة، نريد أن نفكِّر فيما سيحدث لكلٍّ من الغازين عند إزالة الحاجز الذي يفصل بينهما.
الغازان على جانبَي الحاجز مختلفان. يمكننا القول إن التركيز الابتدائي لجزيئات الغاز الرمادية على الجانب الأيمن من الحاجز يساوي صفرًا، وكذلك كان التركيز الابتدائي لجزيئات الغاز الصفراء على الجانب الأيسر من الحاجز.
يمكننا معرفة كيف سيستجيب كلا الغازين عند إزالة الجدار الفاصل عن طريق اعتبارهما غازين مستقلَّين تمامًا. بعبارةٍ أخرى، ستتحرَّك الجزيئات الرمادية كما لو أنها خاضعة للظروف الابتدائية، دون النظر إلى التصادمات مع النوع الآخر من الغاز، كما هو موضَّح في الآتي.
وستتحرَّك الجزيئات الصفراء كما لو كانت خاضعة للظروف الابتدائية كما هو موضَّح في الآتي:
عند إزالة الحاجز، سينتشر كلا الغازين في جميع أنحاء الغرفة الكبرى. وهذا يعني توزيعهما بالتساوي خلال الحجم المتاح بالكامل. وعندما ينتشر الغازان انتشارًا تامًّا، يكون تركيز كلٍّ منهما متساويًا تقريبًا خلال الحجم الأكبر.
بعد بضع دقائق من خلط الغازين معًا، نتوقَّع أن يكون عدد الجزيئات الصفراء على اليمين نفس عدد الجزيئات الصفراء على اليسار تقريبًا، وينطبق الأمر نفسه على الجزيئات الرمادية. بمراجعة الخيارات المتاحة، نجد شكلًا واحدًا فقط يوضِّح هذا الخلط المتساوي للغازين؛ وهو الخيار (د).
مثال ٥: تحديد توزيع الجزيئات في الحركة البراونية
يتحرَّك جسيم صغير للغاية حركة براونية أثناء مروره عبر منطقة تحتوي على جزيئات غاز. يوضِّح الشكل مسار الجسيم. أيٌّ ممَّا يلي يمثِّل توزيع جزيئات الغاز في المنطقة تمثيلًا صحيحًا؟
الحل
بالنظر إلى المسار الذي يتبعه الجسيم أثناء الحركة البراونية، نلاحظ من أطوال الأسهم مسافات تحرُّك الجسيم قبل تصادمه مع جزيئات الغاز في هذه المنطقة. وهذا يوضِّح لنا تقريبًا مدى تباعد جزيئات الغاز بعضها عن بعض.
نريد اختيار الشكل الذي يمثِّل توزيع جزيئات الغاز تمثيلًا صحيحًا. وبما أننا نعلم أن هذه الجزيئات ستنتشر انتشارًا متساويًا تقريبًا، إذن يمكننا استبعاد الخيارين (ب) و(د)؛ لأن كلًّا منهما يمثِّل توزيعًا غير متساوٍ للجزيئات.
للاختيار بين (أ) و(ج) و(هـ)، علينا معرفة أيٌّ من هذه الأشكال يوضِّح المسافة المتوسطة بين الجزيئات على نحو مماثِل تقريبًا للطول المتوسط للأسهم في الشكل الموضَّح في السؤال.
يوضِّح الخيار (أ) جزيئات تفصل بينها مسافات أقل من هذه المسافة المتوسطة، ويوضِّح الاختيار (هـ) جزيئات تفصل بينها مسافات كبيرة جدًّا.
يوضِّح الخيار (ج) انتشار الغاز بكثافة تناسب الحركة البراونية للجسيم الموضَّح.
النقاط الرئيسية
- في الأنظمة الكبيرة من الجزيئات المتطابقة، يمكن التنبؤ بحركة هذه الجزيئات أو اعتبارها حركة عشوائية بناءً على ما إذا كان من الممكن حسابها أو لا.
- تَصِف الحركة البراونية حركة الجزيئات على نطاق صغير في السوائل والغازات. وتَنتُج هذه الحركة عن التصادمات مع الجزيئات المحيطة التي تجعل جزيئًا معيَّنًا يتحرَّك في مسار غير منتظم؛ أي في مسار يبدو عشوائيًّا.
- الإزاحة الكلية لجزيء يتحرَّك حركة براونية خلال الزمن تساوي صفرًا.
- نظرًا لوجود تصادمات بين الجزيئات، تنتشر الموائع بالتساوي في أي حجم متاح، وهذه العملية يُطلَق عليها الانتشار.