في هذا الشارح، سوف نتعلَّم كيف نلخِّص الأدِلَّة، المبنية على الأبحاث العلمية، التي تُثْبت أن الحمض النووي (DNA) هو المادة الوراثية للخلايا.
تمتلك جميع الكائنات الحية مجموعة من الصفات التي تُعرِّفها وتُحدِّد هويتها. ونحن نعرف الآن أن المعلومات الوراثية التي تتحكم في هذه الصفات تنتقل من الأبوين إلى النسل. تحتوي كل خلية في أجسامنا على الحمض النووي (DNA)، أو الحمض النووي الريبوزي المنقوص الأكسجين، وهو الجزيء الذي يحمل هذه المعلومات. يتكوَّن هذا الجزيء من شريطين يلتفُّ كلٌّ منهما حول الآخر لتكوين لولب مزدوج كما هو موضَّح في الشكل 1. يتكوَّن الحمض النووي (DNA) من الجينات، وهي هي تتابُعات من المعلومات الوراثية التي تتحكم في كل وظيفة تؤدِّيها الخلية.
تعريف: الحمض النووي الريبوزي المنقوص الأكسجين (DNA)
الحمض النووي (DNA) هو الجزيء الذي يحمل المعلومات الوراثية الخاصة بالحياة. وهو يتكوَّن من شريطين من النيوكليوتيدات يلتفُّ كلٌّ منهما حول الآخر لتكوين لولب مزدوج.
تعريف: الجين
الجين هو مقطع من الحمض النووي (DNA) يحتوي على المعلومات اللازمة لإنتاج وحدة وظيفية، مثل البروتين. وهو الوحدة الوظيفية للوراثة.
في فترةٍ ما في تاريخ العلوم لم تكن هذه الحقيقة مقبولة. في بداية القرن العشرين، كان العلماء يَعْرفون حقيقة انتقال المعلومات الوراثية من جيل إلى آخر، لكنهم لم يَعْرفوا الجزيء الحيوي الذي يحمل هذه المعلومات بالفعل.
سنة 1869، اكتَشَف العالِمُ فريدريك ميسشر مادةً حمضيةً تحتوي على الفوسفور في نَوى الخلايا، وقد أَطْلَق على هذه المادة اسم «النيوكلين». والآن أصبحنا نعرف أن هذا الجزيء هو الحمض النووي (DNA). لكن، لم تكن وظيفة «النيوكلين» معروفة، وفي الحقيقة، خلال هذه الفترة، كان العديد من العلماء يعتقدون أن الجينات تَحْملها البروتينات وليس الحمض النووي (DNA)! في هذا الشارح، سوف نتعرَّف على اكتشافات العلماء الجذرية في القرن العشرين، والتي أثبتت الحقيقة التي نعرفها اليوم حق المعرفة، وهي أن الحمض النووي (DNA) هو المادة الوراثية.
سنة 1902 و1903، أجرى والتر سوتون وثيودور بوفيري، كلٌّ على حدة، بحثًا لكنهما توصَّلا إلى الاستنتاجات نفسها. دَرَسَ سوتون الوراثة في الجنادب، في حين أجرى بوفيري بحثًا مشابهًا على قنافذ البحر، وقد افترض كلٌّ منهما «نظرية الكروموسومات في الوراثة». الكروموسومات هي تراكيب خَطِّيَّة في نَوى الخلايا الحية كما هو موضَّح في الشكل 2. ووفقًا لاقتراح سوتون وبوفيري، فإن هذه الكروموسومات لها دور في الوراثة.
مصطلح رئيسي: الكروموسوم
الكروموسوم هو جزيء طويل من الحمض النووي (DNA) والبروتينات المرتبطة به، يحتوي على المعلومات الوراثية للكائن الحي في صورة جينات.
اقترح العالِمان أن نواة كل خلية حية تحتوي على عدد معيَّن من هذه الكروموسومات. وهذه الكروموسومات تحتوي على جينات، أو أجزاء من المعلومات الوراثية التي تنتقل من الأبوين إلى النسل لتحديد صفاته. كل خلية في أجسام الكائنات الحية تحتوي على نفس عدد الكروموسومات، وعادةً ما يظل هذا العدد هو نفسه من جيل إلى آخر. على سبيل المثال، تحتوي كل خلية بشرية عادةً على 46 كروموسومًا.
تتكاثر معظم الكائنات الحية، مثل الحيوانات وبعض النباتات، عن طريق التكاثر الجنسي، حيث يساهم كلٌّ من الأبوين بخلية جنسية أو جاميت واحد، ثم يندمج هذان الجاميتان معًا لتكوين الزيجوت في عملية تسمى الإخصاب. يمرُّ الزيجوت بعِدَّة مراحل من النمو، حتى يُصبح جنينًا في النهاية. ووفقًا لنظرية الكروموسومات في الوراثة، لا بُد أن تحتوي خلايا هذا الجنين على نفس عددِ الكروموسومات الموجودِ لدى الأبوين. لكن، إذا تَكوَّن الزيجوت نتيجة اندماج خلية واحدة من أحد الأبوين مع خلية واحدة من الآخر، فهل سيكون عدد الكروموسومات في الجنين ضِعف العدد الموجود لدى كلٍّ من الأبوين؟
تعريف: الجاميتات (الخلايا الجنسية)
الجاميتات هي الخلايا التناسلية الموجودة في الكائنات الحية، وهي تحتوي على نِصف المادة الوراثية للخلية الجسمية العادية.
أجاب سوتون عن هذا السؤال بافتراض أن الجاميتات أو الخلايا الجنسية لأيِّ كائن حي لا تحتوي إلا على نِصف عددِ الكروموسومات الموجودِ في الخلايا الجسمية. وهو ما ساعد على تفسير حقيقة أن كل كائن حي ينتمي إلى نوعٍ ما يمتلك عدد الكروموسومات ذاته. عندما يندمج الجاميت الذكري والجاميت الأنثوي معًا، حيث يحتوي كلٌّ منهما على نِصف العدد الطبيعي من الكروموسومات، يكون الزيجوت الناتج به العدد الطبيعي من الكروموسومات في الخلية الجسمية.
تعريف: الخلايا الجسمية
الخلايا الجسمية هي الخلايا التي يتكوَّن منها جسم الكائن الحي، باستثناء الخلايا الجنسية.
يوضِّح الشكل 3 عملية الإخصاب عند البشر. في هذه العملية، يندمج جاميت أنثوي، أو بويضة، مع جاميت ذكري، أو حيوان منوي، لتكوين الزيجوت. يمكنك ملاحظة أن كلًّا من البويضة والحيوان المنوي يحتوي على 23 كروموسومًا، وهو ما يساوي نِصف عدد الكروموسومات الموجودة في الزيجوت. تُسمى الخلايا التي تحتوي على نِصف العدد الطبيعي من الكروموسومات بـ «أحادية الصيغة الصبغية»، ويُشار إليها بالرمز «n». أما الخلايا التي تحتوي على العدد الطبيعي من الكروموسومات في الخلايا الجسمية، مثل خلية الزيجوت الموضَّحة في الشكل فتُسمى بـ «ثنائية الصيغة الصبغية»، ويُشار إليها بالرمز «2n».
مثال ١: تحديد العلاقة بين عدد الكروموسومات في الجاميتات والخلايا الجسمية
أيٌّ من الآتي ينطبق على الخلايا الجسمية للكائن الحي والجاميتات (الخلايا الجنسية) التي يُنتِجها الكائن الحي؟
- المادة الوراثية للخلية الجسمية هي الحمض النووي (DNA)، والمادة الوراثية للجاميتات هي الحمض النووي الريبوزي (RNA).
- تحتوي الجاميتات على تقريبًا من الحمض النووي (DNA) الذي تحتوي عليه الخلية الجسمية.
- المادة الوراثية للخلية الجسمية هي الحمض النووي الريبوزي (RNA)، والمادة الوراثية للجاميتات هي الحمض النووي (DNA).
- تحتوي الجاميتات على نِصف المادة الوراثية للخلية الجسمية.
- تحتوي الجاميتات على ضِعف المادة الوراثية للخلية الجسمية.
الحل
عندما تتكاثر الكائنات الحية، تنتقل المادة الوراثية من الأبوين إلى النسل. هذه المادة الوراثية تُحدِّد صفات النسل.
سنة 1902 و1903 افترض والتر سوتون وثيودور بوفيري نظرية الكروموسومات في الوراثة. ووفقًا لهذه النظرية، تُحمَل المعلومات الوراثية في تراكيب تُسمى الكروموسومات؛ وهي موجودة في نواة كل خلية في الكائن الحي. تحتوي كل خلية جسمية مفردة في الكائن الحي على نفس عدد الكروموسومات، وهذ العدد يظل كما هو من جيل لآخر. على سبيل المثال، لدى البشر 46 كروموسومًا، ولذباب الفاكهة 8 كروموسومات، في حين أن نبات البازلاء لديه 14 كروموسومًا في كل خلية جسمية!
عندما تتكاثر الكائنات الحية جنسيًّا، فإن الجاميت الذكري والجاميت الأنثوي، أو الخليتين الجنسيتين، يندمجان معًا لتكوين الزيجوت. هذا الزيجوت يمرُّ بعِدَّة مراحل مختلفة من النمو حتى يصبح جنينًا في النهاية.
وفقًا لنظرية الكروموسومات في الوراثة، يجب أن يحتوي الزيجوت على نفس عددِ الكروموسومات الموجودِ لدى الأبوين. وهنا تُصبِح الأمور محيِّرة! إذا كان الزيجوت يتكوَّن نتيجة اندماج خليتين، فلا بد أن المادتين الوراثيتين المحمولتين في هاتين الخليتين تتحدان معًا. لكن هذا سيعني أن الزيجوت يحتوي على ضِعف المادة الوراثية الموجودة عند الأبوين، أليس كذلك؟ وهذا غير منطقي!
أوضح سوتون ما يحدث فعليًّا في هذه العملية، وهو أن الخلايا الجنسية أو الجاميتات تُعَدُّ استثناءً من قاعدة عدد الكروموسومات، وعلى الرغم من أن جميع الخلايا الجسمية الأخرى تحتوي على عدد ثابت من الكروموسومات، فإن الجاميتات تحتوي على نِصف هذا العدد فقط! وهذا يُفسِّر كيف سيَكون للزيجوت دائمًا نفس عدد الكروموسومات في الخلايا الجسمية للأبوين. لذلك، تُسمى الجاميتات بـ «أحادية الصيغة الصبغية»؛ حيث إنها تحتوي على نِصف عددِ الكروموسومات الموجودِ في الخلايا الجسمية، والتي تُسمى بـ «ثنائية الصيغة الصبغية».
إذن، بالنظر إلى الخيارات المعطاة لنا في السؤال، نجد أن الخيار الذي ينطبق على العلاقة بين المعلومات الوراثية في الجاميتات والخلايا الجسمية هو أن الجاميتات تحتوي على نِصف المادة الوراثية للخلية الجسمية.
على الرغم من أن نظرية الكروموسومات في الوراثة أشارت بدِقَّة إلى أن الكروموسومات هي المسئولة عن وراثة الصفات، فإنها لم تُوضِّح تحديدًا نوعَ الجزيء الذي يحمل المعلومات الوراثية.
دعونا نتَتَبَّع رحلة تحديد هذا الجزيء من خلال التجارب التي أجراها عدة علماء، بداية من التجربة التي قام بها فريدريك جريفيث سنة 1928.
عند إجراء سلسلة من التجارب على البكتيريا المُسبِّبة للالتهاب الرئوي «Streptococcus pneumoniae»، اكتشف فريدريك جريفيث ما سمَّاه بـ «العامل المُحوِّل». دعونا نتناول التجارب التي أجراها ونستعرض الملاحظات بشأنها.
هناك العديد من الأنواع أو السلالات المختلفة للبكتيريا المسبِّبة للالتهاب الرئوي «Streptococcus pneumoniae». لكن في التجربة التي أجراها فريدريك جريفيث، اختار سلالتين مختلفتين. إحدى سلالتَي البكتيريا هاتين ذات أسطح ملساء، وتُسمى بالسلالة الملساء أو السلالة «S»، في حين أن السلالة الأخرى ذات أسطُح خشنة وتُسمى بالسلالة الخشنة أو السلالة «R». يكون للبكتيريا من السلالة «S» أسطُح ملساء؛ لأنها تُصنِّع طبقة خارجية من متعدِّد السكريات. يمكنك ملاحظة الفرق بين السلالة «R» والسلالة «S» في الشكل 4.
تعريف: السلالة
السلالة هي متغير وراثي أو نوع فرعي للكائن الحي.
بغض النظر عن الفروق الشكلية بينهما، وَجد جريفيث أن هناك فرقًا مهمًّا آخر بين سلالتَي البكتيريا «S» و«R»، وهو أن السلالة «S» هي السلالة «المُميتة»، وهي تَتسبَّب في موت الفئران، أما السلالة «R»، فهي السلالة «غير المُميتة»، وهي لا تُسبِّب موت الفئران. السؤال الآن، كيف اكتشف جريفيث هذا الأمر؟
تعريف: مُميت
تُستخدَم كلمة «مُميت» لوصف أحد مُسبِّبات الأمراض القادرة على إحداث عدوى تؤدي للإصابة بمرض.
تعريف: غير مُميت
تُستخدَم كلمة «غير مُميت» لوصف أحد مُسبِّبات الأمراض غير القادرة على إحداث عدوى تؤدي للإصابة بمرض.
عندما حَقَنَ جريفيث الفئران بهذه البكتيريا، لاحظ أن الفئران المصابة بالسلالة «S» المُميتة قد ماتت بسبب الالتهاب الرئوي، أما الفئران التي حُقنت بالسلالة «R» غير المُميتة لم تَمُت، كما هو موضَّح في الشكل 5. وهذه الملاحظات كانت الأساس الذي قامت عليه تجاربه الأخرى.
عزَل جريفيث بعد ذلك السلالة «S»، وقتل البكتيريا مستخدِمًا الحرارة. وعندما حَقَنَ الفئرانَ بسلاسة البكتيريا «S» التي سبق قتلها بالحرارة، لاحظ أن الفئران ظلت على قيد الحياة دون أن تُصاب بالالتهاب الرئوي.
لكن، عندما حَقَن جريفيث الفئران بخليط مكوَّن من سلاسة البكتيريا «S» المقتولة بالحرارة وسلاسة البكتيريا «R» الحية، أُصيبت هذه الفئران بالالتهاب الرئوي وماتت، كما هو موضَّح في الشكل 6. وبجانب هذا، عندما فحص جريفيث دم الفئران الميتة، وجد بكتيريا حية من السلاسة «S»! لقد غيَّرَت سلاسةُ البكتيريا «R» الحية مظهرَها وطبيعتها لتصبح سلاسة البكتيريا «S» المُميتة، لتتسبب في إصابة الفئران بالالتهاب الرئوي والموت.
أثبتت هذه التجربة ظاهرة لم تُسجَّل من قبل، وهي تحوُّل نوعٍ من البكتيريا إلى نوع آخر. ونتيجةً لذلك، استنتج جريفيث أن هناك عاملًا أو جزيئًا حيويًّا من سلاسة البكتيريا «S» المقتولة بالحرارة انتقل إلى سلاسة البكتيريا «R» الحية، وهو ما منحها القدرة على تخليق طبقة من متعدد السكريات وتحويل طبيعتها لتكون مُميتة. هذا العامل «حوَّل» سلاسة البكتيريا «R» إلى سلاسة البكتيريا «S»، وقد أطلق جريفيث على هذا العامل اسم «العامل المُحوِّل» ليَستنتج بعد ذلك أن بعض المواد الوراثية انتقلت عن طريق هذا العامل من سلاسة البكتيريا «S» إلى سلاسة البكتيريا «R». هذه العملية تُسمى اليوم بالتحوُّل البكتيري، وهي تُستخدَم في العديد من التطبيقات المهمة للهندسة الوراثية.
مصطلح رئيسي: التحوُّل البكتيري
التحوُّل البكتيري هو العملية التي تَأخذ الخلايا البكتيريةَ فيها الحمضَ النوويَّ (DNA) من بيئتها ثم «تتحوَّل» بناءً على الحمض النووي الغريب هذا.
مثال ٢: تحديد نتائج التجارب التي أجراها فريدريك جريفيث
يوضِّح الشكلُ المُبيَّنُ المُخطَّطَ الأساسيَّ لتجربة التحوُّل البكتيري التي أجراها جريفيث. وُجِدَ أن هناك سلالتين من البكتيريا تتسبَّبان في الإصابة بالالتهاب الرئوي: سلالة ملساء (مُميتة)، وسلالة خشنة (غير مُميتة). حُقِنَت مجموعة من الفئران بصور مختلفة من هذه السلالات، كما هو موضَّح في الشكل.
أيٌّ من الآتي لم تُحدِّده تجربة جريفيث؟
- المادة التي تنتقل بين السلالتين البكتيريتين هي الحمض النووي (DNA).
- السلالة الملساء من البكتيريا المقتولة بالحرارة لا تقتل الفأر عند حَقْنه بها.
- يُمكِن أن تنتقل المادة الوراثية من خلايا السلالة الملساء المقتولة بالحرارة إلى خلايا السلالة الخشنة.
- يُمكِن أن تتغيَّر خلايا السلالة الخشنة من البكتيريا وتُصبِح مُميتة.
الحل
سنة 1928، أجرى فريدريك جريفيث تجارب على البكتيريا المسبِّبة للالتهاب الرئوي، «Streptococcus pneumoniae»، حيث قام بزراعة نوعين من هذه البكتيريا: نوع أملس له طبقة خارجية من متعدد السكريات، ونوع خشن ليس له هذه الطبقة.
بعد ذلك، حُقنت الفئران بالسلالة الخشنة أو السلالة «R»، والسلالة الملساء أو السلالة «S»، كما هو موضَّح في التجربة 1 والتجربة 2 من الشكل المبيَّن في السؤال. ووجد جريفيث أن الفئران التي حُقنت بالسلالة الخشنة ظلت على قيد الحياة، بينما الفئران التي حُقنت بالسلاسة الملساء أُصيبت بالالتهاب الرئوي وماتت. حدث ذلك لأن البكتيريا التي تنتمي إلى السلالة الملساء مُميتة، وهو ما يعني أنها قادرة على التسبب في الإصابة بمرض خطير، بينما البكتيريا التي تنتمي إلى السلالة الخشنة غير مُميتة.
في الخطوة التالية من تجارب جريفيث، والموضَّحة في التجربة 3 من الشكل المبيَّن في السؤال، عُولجت السلالة الملساء باستخدام الحرارة، وهو ما أدى إلى قتل البكتيريا. بعد ذلك، حُقنت الفئران بالسلالة الملساء المقتولة بالحرارة، ولُوحظ أن هذه البكتيريا لم تعُد تُصيب الفئران بالالتهاب الرئوي؛ حيث ظلت الفئران على قيد الحياة دون ظهور أيِّ أعراض للمرض عليها.
في المرحلة الأخيرة، أو التجربة 4، قرر جريفيث خَلْط البكتيريا الملساء المقتولة بالحرارة مع بعضٍ من البكتيريا الخشنة الحية، ثم حَقَن الفئران بهذا الخليط. وعلى الرغم من أن كلًّا من البكتيريا الخشنة والبكتيريا الملساء المقتولة بالحرارة ليست قادرة على إصابة الفئران بالالتهاب الرئوي، فقد مات أغلب الفئران جرَّاء الإصابة بالالتهاب الرئوي في غضون أيام قليلة! وأهم من ذلك، عندما فَحَص جريفيث دم هذه الفئران الميتة، وجد بكتيريا ملساء حية على الرغم من أنه لم يحقن الفئران بأيٍّ من هذه البكتيريا!
تحوَّلت البكتيريا الخشنة لتصبح ذات طبيعة مُميتة وصار لديها القدرة على تخليق طبقة خارجية ملساء من متعدد السكريات. ومن ثم، استنتج جريفيث أن أحد العوامل التي تحمل المادة الوراثية لا بد وأن يكون قد انتقل من البكتيريا الملساء المقتولة بالحرارة إلى البكتيريا الخشنة الحية، وهو ما مكَّنها من التحوُّل. أطلق جريفيث على هذا العامل اسم «العامل المُحوِّل»، لكنه لم يُجرِ أيَّ تجارب لمعرفة الجزيء الذي يتكوَّن منه هذا العامل بالضبط.
هذا السؤال يطلب منا تحديدَ أيٌّ من العبارات لم تحدِّده تجارب فريدريك جريفيث. وبالنظر إلى كلٍّ من العبارات المعطاة في السؤال، نجد أن معظمها يُمثِّل نتائج لتجارب فريدريك جريفيث. لكن الشيء الوحيد الذي لم يُحدِّده جريفيث هو الجزيء المعيَّن الذي انتقل من السلالة الملساء إلى السلالة الخشنة.
الخيار الوحيد الذي لم تُحدِّده تجارب فريدريك جريفيث هو أن المادة التي تنتقل بين السلالتين البكتيريتين هي الحمض النووي (DNA).
على الرغم من أن التجارب التي أجراها جريفيث سنة 1928 كانت الأولى من نوعها في هذا المجال، فإنها لم تُحدِّد الطبيعة البيوكيميائية الدقيقة لمبدأ التحوُّل هذا. وكان العلماء ما زالوا يعتقدون أن البروتينات هي المسئولة عن حَمْل المعلومات الوراثية. ومن هنا، ننتقل إلى التجربة التي قام بها آزوولد إيفري، وكولن مكلاود، وماكلن مكارتي، والتي أُعلن عنها سنة 1944.
بناءً على النتائج التي تم التوصل إليها من التجارب التي أجراها جريفيث سنة 1928، أجرى إيفري وزملاؤه مزيدًا من التجارب على السلالة «S» المُميتة من البكتيريا المسبِّبة للالتهاب الرئوي «Streptococcus pneumoniae». عَرَف هؤلاء العلماء أن الجزيئات الحاملة للمادة الوراثية المحتملة هي البروتينات أو RNA أو DNA. لذا، قاموا بعزل السلالة «S»، واستخدموا الحرارة لقتل البكتيريا، ثم قسموا البكتيريا إلى ثلاث عينات منفصلة.
بعد ذلك، أُضيف إنزيم البروتييز إلى العينة الأولى، وإنزيم الريبونيوكليز (RNase) إلى العينة الثانية، وإنزيم دي أكسي ريبونيوكليز (DNase) إلى العينة الثالثة، كما هو موضَّح في الشكل الآتي. من أسماء هذه الإنزيمات الثلاثة، يمكننا استنتاج وظيفة كلٍّ منها، والتي هي كالتالي: إنزيم البروتييز يُكسِّر البروتينات، وإنزيم الريبونيوكليز (RNase) يُكسِّر الحمض النووي الريبوزي (RNA)، أما إنزيم دي أكسي ريبونيوكليز (DNase) فهو يكسِّر الحمض النووي (DNA). وبعد ذلك خُلطت كل عينة بسلالة البكتيريا «R» الحية، كما هو موضَّح في الشكل 7.
تعريف: البروتييز
البروتييز هو إنزيم يكسِّر البروتينات إلى ببتيدات وأحماض أمينية.
تعريف: إنزيم الريبونيوكليز (RNase) أو إنزيم تحليل RNA
إنزيم الريبونيوكليز (RNase) هو الإنزيم المسئول عن تكسير الحمض النووي الريبوزي (RNA) إلى نيوكليوتيدات أو عديدات النيوكليوتيدات.
تعريف: إنزيم دي أكسي ريبونيوكليز (DNase) أو إنزيم تحليل DNA
إنزيم دي أكسي ريبونيوكليز (DNase) هو الإنزيم المسئول عن تكسير الحمض النووي (DNA) إلى نيوكليوتيدات أو عديدات النيوكليوتيدات.
لاحَظ هؤلاء العلماء أن الخليط المعالَج بإنزيم البروتييز والخليط المعالَج بإنزيم الريبونيوكليز (RNase) قد أظهرَا علاماتٍ تدل على التحوُّل البكتيري. وهذا يُشير إلى أن هذين الإنزيمين لم يَمنعَا سلالة البكتيريا «R» الموجودة في الخليط من التحوُّل إلى سلالة البكتيريا «S» المُميتة. أما بالنسبة إلى الخليط المعالَج بإنزيم دي أكسي ريبونيوكليز (DNase)، فلم يُلاحَظ حدوث التحوُّل البكتيري!
دعونا نفكر في الأسباب التي أدَّت إلى حدوث ذلك. عند معالجة الخليط بإنزيم البروتييز أو إنزيم الريبونيوكليز (RNase)، ظل الحمض النووي (DNA) كما هو دون أن يتكسَّر، وتَمكَّن من تحويل سلالة البكتيريا «R» إلى سلالة البكتيريا «S». لكن عندما تَكسَّر الحمض النووي (DNA) الموجود في الخليط بسبب إنزيم دي أكسي ريبونيوكليز (DNase)، لم تتمكن المادة الوراثية من الانتقال من سلاسة البكتيريا «S» المقتولة بالحرارة إلى سلاسة البكتيريا «R» الحية؛ لذا، لم تحدُث عملية التحوُّل! ومن ثم، استنتج إيفري وفريقه أن العامل المُحوِّل، الذي وصفه فريدريك جريفيث، هو الحمض النووي (DNA).
مثال ٣: فهْم النتائج المترتبة على تجارب إيفري
يوضِّح الشكل الآتي رسمًا مُبسَّطًا للتجربة التي أجراها إيفري وزملاؤه. قُتِلَت خلايا S المُميتة بفعل درجات الحرارة المرتفعة، وقُسِّمَت إلى ثلاث عيِّنات. أُضِيفَ إنزيم مختلف إلى كلِّ عيِّنة، ثم خُلِطَ المحلول مع خلايا R الحية غير المُميتة.
افترِض أن الفئران التي حُقِنَت بخلايا R التي خضعت للتحوُّل البكتيري بنجاح تموت. في أيِّ هذه التجارب الثلاث تموت الفئران؟
- 1 و2
- 1 فقط
- 1 و3
- 2 و3
- 3 فقط
الحل
سنة 1944، أجرى آزوولد إيفري، وكولن مكلاود، وماكلن مكارتي، تجارب على البكتيريا المسبِّبة للالتهاب الرئوي «Streptococcus pneumoniae»، استكمالًا للتجارب التي أجراها فريدريك جريفيث سنة 1928. استخدَم جريفيث سلالتين مختلفتين من هذه البكتيريا. البكتيريا الخشنة أو السلاسة «R» غير مُميتة، أي إنها لا تُسبب الالتهاب الرئوي. أما البكتيريا الملساء أو السلاسة «S» فهي مُميتة، وعندما تُحقن الفئران بهذا النوع من البكتيريا، فإنها تُصاب بالالتهاب الرئوي وتموت.
أثبت جريفيث أيضًا أن البكتيريا الملساء عندما تُقتَل بالحرارة، فإنها تفقد طبيعتها المُميتة. لكن، عندما تُخلَط سلاسة البكتيريا «S» المقتولة بالحرارة مع سلاسة البكتيريا «R» الحية، فإن هذا يؤدي إلى «تحوُّل» سلاسة البكتيريا «R» إلى سلاسة البكتيريا «S»، وهو ما يجعلها مُميتة. ولذلك عندما تُحقَن الفئران بهذا الخليط، فإنها تُصاب بالالتهاب الرئوي وتموت.
تَوسَّع كلٌّ من إيفري، ومكلاود، ومكارتي في تجربة فريدريك جريفيث بشكل أكبر قليلًا، وعزلوا سلالة البكتيريا «S»، ثم قتلوها باستخدام الحرارة، وقسَّموها إلى ثلاث عينات مختلفة. بعد ذلك، أضافوا إنزيم البروتييز إلى العينة الأولى، وإنزيم الريبونيوكليز (RNase) إلى العينة الثانية، وإنزيم دي أكسي ريبونيوكليز (DNase) إلى العينة الثالثة، كما هو موضَّح في الشكل. من أسماء هذه الإنزيمات الثلاثة، يمكننا استنتاج وظيفة كلٍّ منها، فإنزيمات البروتييز تُكسِّر البروتينات، وإنزيم الريبونيوكليز (RNase) يُكسِّر الحمض النووي الريبوزي (RNA)، أما إنزيم دي أكسي ريبونيوكليز (DNase) فيُكسِّر الحمض النووي (DNA). وعندما تتكسر هذه الجزيئات، لا يعود بإمكانها أداء وظائفها. بعد ذلك، خَلَط هؤلاء العلماء كل عينة بسلاسة البكتيريا «R» الحية.
نحن نعلم أن الحمض النووي (DNA) يحمل المادة الوراثية، و«العامل المُحوِّل» الذي وصفه جريفيث يشير فعليًّا إلى الحمض النووي (DNA)، وهو الجزيء الذي يُنقَل من سلالة البكتيريا «S» إلى سلالة البكتيريا «R» ويجعلها مُميتة. إذا تَكسَّر الحمض النووي (DNA) في سلاسة البكتيريا «S» المقتولة بالحرارة بسبب الإنزيمات، فإن هذا التحول لن يحدُث، وعليه ستظل سلاسة البكتيريا «R» غير مُميتة!
إذا كان الإنزيم المضاف هو أي إنزيم آخر، مثل إنزيم البروتييز أو إنزيم الريبونيوكليز (RNase)، فستتفكك الجزيئات الأخرى دون جزيء الحمض النووي (DNA) الذي سيبقى كما هو، وسيكون بإمكانه الانتقال من سلاسة البكتيريا «S» المقتولة بالحرارة إلى سلاسة البكتيريا «R»، وهو ما يجعلها مُميتة وقاتلة للفئران التي تُحقن بها.
توضِّح التجارب الثلاث في الشكل المبيَّن في السؤال أن ثلاث إنزيمات مختلفة قد أُضيفت إلى سلاسة البكتيريا «S» المقتولة بالحرارة. وبناءً على ما تعلمناه، نعرف أنه ما لم تُعالَج البكتيريا باستخدام إنزيم دي أكسي ريبونيوكليز (DNase)، فإن الحمض النووي (DNA) أو «العامل المُحوِّل» سيتسبب في تحوُّل طبيعة سلاسة البكتيريا «R» لتصبح مُميتة وتقتل الفئران.
إذن، نستنتج أن الفئران ستموت في التجربتين 1 و2.
بفضل هذه التجاربفيروس البكتيريوفاج قُطع شوط آخر كبير في رحلة إثبات أن الحمض النووي (DNA) هو المادة الوراثية، ومع ذلك، ظل العديد من العلماء غير مقتنعين. لكن عندما أجرى ألفِرِد هيرشي ومارثا تشيس تجاربهما سنة 1952؛ بدأ المجتمع العلمي في تقبُّل حقيقة أن الحمض النووي (DNA) هو العامل المُحوِّل الذي يحمل المعلومات الوراثية.
استخدم هيرشي وتشيس في تجاربهما فيروسات البكتيريوفاج، وهي فيروسات تُصيب الخلايا البكتيرية. دعونا نتعلم القليل عن فيروسات البكتيريوفاج قبل أن نتناول تجارب هيرشي وتشيس.
تعريف: فيروس البكتيريوفاج
البكتيريوفاج هو نوع من الفيروسات التي تُصيب البكتيريا وتتكاثر بداخلها.
فيروس البكتيريوفاج هو فيروس يُصيب البكتيريا ويتكاثر داخل الخلايا البكتيرية. كل فيروس بكتيريوفاج يتكون من غلاف بروتيني يُحيط بالمادة الوراثية، كما هو موضَّح في الشكل 8. عندما يُهاجم فيروس البكتيريوفاج البكتيريا، فإنه يلتصق بسطح الخلية البكتيرية ويحقنها بمادته الوراثية، ونتيجة لهذا، تُنتج الخلية البكتيرية فيروسات جديدة. وفي النهاية، تنفجر الخلية البكتيرية، ليخرج منها فيروسات جديدة، والتي قد تستمر في إصابة مزيد من الخلايا البكتيرية.
استخدم هيرشي وتشيس فيروسات البكتيريوفاج لتحديد الجزيء الذي يحمل المادة الوراثية. وبناءً على تجارب العلماء الآخرين، عرف كلٌّ منهما أن الحمض النووي (DNA) يحتوي على الفوسفور على عكس البروتينات، وأن البروتينات تحتوي على الكبريت، على عكس الحمض النووي (DNA). ومن ثم، استخدم كلٌّ منهما هذه المعلومات في تجاربه كما سنرى.
تُنتَج فيروسات البكتيريوفاج في المختبرات عن طريق زراعة البكتيريا ثم السماح لفيروسات البكتيريوفاج بإصابتها، بحيث يُمكن لهذه الفيروسات التكاثر بداخلها. وعليه أَنتج هيرشي وتشيس مجموعةً من فيروسات البكتيريوفاج باستخدام وسط يحتوي على فوسفور مُشعٍّ. وهو ما يعني أن فيروسات البكتيريوفاج ستحتوي على حمض نووي مُشعٍّ. وبالمثل، أُنتجت مجموعة أخرى من فيروسات البكتيريوفاج باستخدام وسط يحتوي على الكبريت المُشعِّ، بحيث تحتوي فيروسات البكتيريوفاج هذه على بروتينات مُشعَّة. بعد ذلك، استخدم كلٌّ منهما مجموعتَي فيروسات البكتيريوفاج هذه في إصابة مزرعتين مختلفتين من البكتيريا، كما هو موضَّح في الشكل 9.
كما نعلم، عندما تُصيب فيروسات البكتيريوفاج البكتيريا، فإنها تحقن الخلية البكتيرية بمادتها الوراثية. وبمجرد حدوث ذلك في المزرعتين البكتيريتين، قام هيرشي وتشيس بمزج كل خليط من الخليطين باستخدام جهاز خلط لفصل الأغلفة البروتينية الفيروسية عن أسطُح الخلايا البكتيرية. بعد ذلك، عُزلت الأغلفة البروتينية الفيروسية عن الخلايا البكتيرية في الخليطين بواسطة جهاز الطرد المركزي، والذي يفصل مكونات الخليط بناءً على وزنها.
وَجد العالِمان أن البكتيريا المصابة بفيروسات البكتيريوفاج في وسط البروتينات المُشعَّة لا تظهر عليها أيُّ علامة تشير لوجود نشاط إشعاعي. أما بالنسبة إلى البكتيريا المصابة بفيروسات البكتيريوفاج في وسط الحمض النووي المُشعِّ، فقد تَبيَّن لهم أنها مُشعَّة، كما هو موضَّح في الشكل 9. هذه الملاحظة أثبتت، دون شك، أن الحمض النووي (DNA) هو المادة الوراثية التي حُقنت في البكتيريا واندمجت معها.
تُعد كل تجربة من التجارب التي تناولناها في هذا الشارح مرحلة مهمة في رحلة تحديد الطبيعة البيوكيميائية للمادة الوراثية. وقد ثَبَت أن معرفةَ كوْن الحمض النووي (DNA) هو المادةَ الوراثيةَ معلومةٌ لا تُقدَّر بثمن في مجال العلوم الحديثة والرعاية الصحية. على سبيل المثال، يمكن اليوم علاج المرضى الذين يُعانون من أمراض وراثية، مثل التليف الكيسي والهيموفيليا وبعض أنواع السرطان عن طريق استهداف مقطع محدَّد من الحمض النووي (DNA) المَعيب والذي يُسبِّب المرض. ومن دون الأسس التي وضعها هؤلاء العلماء في القرن العشرين، ما كان الطب في المكانة التي هو عليها في الوقت الحالي.
والآن، دعونا نراجع سريعًا ما تعلمناه في هذا الشارح.
النقاط الرئيسية
- على الرغم من معرفتنا اليوم بأن الحمض النووي (DNA) هو الجزيء الذي يحمل المعلومات الوراثية، فإن هذا الأمر لم يكن حقيقة مقبولة في بداية القرن العشرين.
- سنة 1902 و1903، وضع والتر سوتون وثيودور بوفيري «نظرية الكروموسومات في الوراثة»؛ والتي نَصَّت على أن جميع الخلايا تحمل المادة الوراثية في صورة كروموسومات.
- سنة 1928، اكتشف فريدريك جريفيث أن «العامل المُحوِّل» الذي يُمكن أن يحوِّل بكتيريا غير مُميتة إلى بكتيريا مُميتة موجودٌ في البكتيريا المسبِّبة للالتهاب الرئوي «Streptococcus pneumoniae».
- سنة 1944، استخدم آزوولد إيفري، وكولن مكلاود، وماكلن مكارتي إنزيمات البروتييز، وإنزيم الريبونيوكليز (RNase)، وإنزيم دي أكسي ريبونيوكليز (DNase) لتحديد أن «العامل المُحوِّل» هو الحمض النووي (DNA).
- سنة 1952، استعان ألفِرِد هيرشي ومارثا تشيس بالفوسفور والكبريت المُشِعَّيْن كي يُثْبتا بشكل قاطع أن الحمض النووي (DNA)، وليس البروتينات، هو ما يَحْمل المادة الوراثية.