في هذا الشارح، سوف نتعلَّم كيف نقارن بين الاستجابات الأوَّلية والثانوية للأجسام المضادَّة للعَدْوى، ونفسِّر دور خلايا الذاكرة في الاستجابة الثانوية.
بشكل عام، حديثو الولادة والأطفال الصغار أكثر عُرضَةً للإصابة بالأمراض من البالغين الأصحاء. ومن أحد أسباب تكرار إصابة الأطفال بالأمراض أن أحد نوعي المناعة، وهو المناعة المُكتسبة، يستغرق وقتًا حتى يتطور لديهم. للجهاز المناعي مكونان متكاملان: المناعة الفطرية (غير المتخصصة)، والتي تقاوم كل مسببات الأمراض بالطريقة نفسها، والمناعة المكتسبة (المتخصصة/ التكيفية)، والتي تُحدد استجابتها بناءً على مسبب المرض الذي يجب مقاومته.
المناعة الفطرية، أو غير المتخصصة، هي المناعة التي نُولد بها. أما المناعة التكيُّفية، أو المتخصصة، فهي المناعة التي تتطور خلال حياتنا. تتضمن المناعة التكيُّفية ذاكرة مناعية، تُهيئ الجسم للاستجابة إلى الإصابة بالعدوى للمرة الثانية نتيجة لمسبب المرض نفسه، بشكل أسرع وأكثر فاعلية من استجابته عند الإصابة بالعدوى للمرة الأولى. في الواقع، هذه الذاكرة المناعية تعمل بفعالية كبيرة لدرجة أننا قد لا نعاني من أي أعراض جسدية للعدوى اللاحقة على الإطلاق! يوضح الشكل 1 تمثيلًا بيانيًّا للفرق الزمني بين استجابة المناعة التكيفية للعدوى الأوَّلية واستجابتها للعدوى الثانوية.
في المرة الأولى التي يواجه فيها جهاز المناعة مُسببًا لمرض معين، عادة ما يستغرق من 5 إلى 10 أيام لشن هجوم واسع المدى على مسبب المرض، ولكن قد يستغرق الأمر وقتًا أطول (يصل إلى بضعة أسابيع). أولًا، يجب تنشيط الخلايا التائية والخلايا البائية؛ لكي تنقسم وتنمو حتى تصل إلى عددٍ كبير من خلال عملية الانتقاء النسيلي.
تعريف: الخلايا التائية
الخلايا التائية هي خلايا ليمفاوية تنضج في الغدة التيموسية، ويمكن أن تتمايز إلى ثلاثة أنواع مختلفة من الخلايا: الخلايا التائية المساعدة، والخلايا التائية السامة، والخلايا التائية المثبِّطة.
تعريف: الخلايا البائية
الخلايا البائية هي خلايا ليمفاوية تنضج في النخاع العظمي ويمكنها أن تفرز أجسامًا مضادة.
تقاوم هذه الخلايا العدوى بطريقتين. ويُمكننا الإشارة إلى هاتين الطريقتين بالمناعة الخلطية والمناعة الخلوية. في المناعة الخلطية، تفرز الخلايا البائية الناضجة والمُنشَّطة أجسامًا مضادة تساعد على تحييد مُسببات الأمراض خارج الخلوية. وهذه الأجسام المضادة يمكنها أيضًا أن تلتصق بالخلايا المصابة، ولكنها لا تستطيع تدمير الخلايا المضيفة بمفردها.
كما تنشِّط الخلايا التائية المساعدة خلايا تائية أخرى، مثل الخلايا التائية السامة، ويمكنها أيضًا تحفيز الخلايا البائية لإنتاج أجسام مضادة. في المناعة الخلوية، تحدد الخلايا التائية السامة الناضجة والمنشَّطة الخلايا المصابة وتدمرها. وهذه الخلايا التائية السامة أيضًا لها القدرة على التعرُّف على الخلايا المُعرَّضة للخطر، مثل الخلايا السرطانية التي تنقسم خلويًّا بشكل خارج عن السيطرة، وأيضًا لها القدرة على تنشيط العمليات التي تؤدي إلى موت هذه الخلايا الخطرة.
تخضع الخلايا المستجيبة، مثل الخلايا البائية والخلايا التائية المساعدة والخلايا التائية السامة، لعملية تسمى «الانتقاء النسيلي». وتتضمن هذه العملية اختيار الخلايا ذات المستقبلات المكملة لمولِّدات الضد غير الذاتية الموجودة في الجسم. وبعد ذلك تخضع هذه الخلايا لعملية التوسع النسيلي، حيث تتضاعف هذه الخلايا وتنتشر في جميع أنحاء الجسم لمقاومة العدوى.
تستغرق استجابات المناعة التكيُّفية هذه بعض الوقت حتى تعمل بشكل كامل. وأثناء ذلك، يقاوم الجهاز المناعي الفطري أو غير المتخصص العدوى معتمدًا على الاستجابة الالتهابية والخلايا البلعمية. ولهذا السبب عادة ما نشعر بالإعياء ونعاني من أعراض مثل الحمى أو الألم أثناء الإصابة بعدوى بكتيرية أو فيروسية.
مثال ١: مقارنة بين الاستجابة المناعية غير المتخصصة والمتخصصة
ما الاختلاف بين الاستجابة المناعية غير المُتخصِّصة والاستجابة المناعية المُتخصِّصة لمولدات الضد؟
- الاستجابة غير المُتخصِّصة أسرع من الاستجابة المناعية المُتخصِّصة.
- الاستجابة غير المُتخصِّصة أبطأ من الاستجابة المناعية المُتخصِّصة.
- الاستجابة غير المُتخصِّصة توفِّر الحماية ضد العدوى المستقبلية، لكن الاستجابة المُتخصِّصة لا توفِّرها.
- الاستجابة غير المُتخصِّصة تُنتِج خلايا ذاكرة أكثر من الاستجابة المناعية المُتخصِّصة.
الحل
يتكون الجهاز المناعي من مكونين متكاملين: المناعة الفطرية، (تسمى أيضًا المناعة غير المتخصصة)، والتي تقاوم كل مسببات الأمراض بالطريقة نفسها، والمناعة المتخصصة، (تسمى أيضًا المناعة المكتسبة أو المناعة التكيفية)، والتي تُحدد استجابتها بناءً على مسبب المرض الذي يجب مقاومته.
مسببات الأمراض هي كائنات حيَّة دقيقة تسبب المرض، ومولدات الضد هي النواتج أو المكونات الكيميائية لمسببات الأمراض هذه والتي تُحفِّز الاستجابة المناعية.
تستجيب المناعة الفطرية للعدوى على الفور، وهي تستجيب بالطريقة نفسها في كل مرة تُواجه فيها مُسبب مرض جديدًا. وذلك لأن المناعة الفطرية ليست متخصصة لمولد الضد. كما أن الاستجابة المناعية الفطرية لا تؤدي إلى تكوين أجسام مضادة أو خلايا ذاكرة توفِّر الحماية من العدوى المستقبلية بمُسبِّب المرض نفسه.
تتطلب المناعة التكيفية حدوث بعض العمليات التي تستغرق وقتًا طويلًا لتطوير استجابة متخصصة لمولد ضد. يجب أن تخضع الخلايا المستجيبة، مثل الخلايا البائية والخلايا التائية المساعدة والخلايا التائية السامة، لعملية الانتقاء النسيلي، والتي يجري فيها اختيار الخلايا ذات المستقبلات المكملة لمولدات الضد الموجودة في الجهاز المناعي، ثم تخضع بعد ذلك لعملية التوسع النسيلي، حيث تنقسم هذه الخلايا وتتزايد أعدادها وتنتشر لمقاومة المرض. كما أن الاستجابة المناعية التكيفية أيضًا تنتج أجسامًا مضادة وخلايا ذاكرة تظل موجودة في الجهاز المناعي بعد التخلص من العدوى، وهو ما يجعل الجسم مستعدًّا للاستجابة على نحو أسرع عند تعرضه لمولد الضد نفسه لاحقًا.
باستخدام هذه المعلومات، يمكننا أن نستنتج أن الاستجابة غير المُتخصِّصة أسرع من الاستجابة المناعية المُتخصِّصة.
بعد التخلُّص من مُسبب المرض أو إزالته من الجسم تمامًا، تعمل الخلايا التائية المُنظِّمة، والتي تسمى أيضًا بالخلايا التائية المثبِّطة، على تعطيل الاستجابة المناعية. بالإضافة إلى أنها أيضًا تُعطِّل الخلايا النشطة نظرًا لعدم وجود عدوى تستدعي المقاومة، ثم تموت الخلايا البائية النشطة والخلايا التائية السامة النشطة بسرعة. وهذا مهم؛ لأن ترك الجهاز المناعي دون ضوابط أو دون مراقبة يمكن أن يسبب مشكلات خطيرة، مثل أمراض المناعة الذاتية، حيث يهاجم الجهاز المناعي خلايا الجسم السليمة!
تُعطل الخلايا التائية المثبِّطة الخلايا المناعية النشطة فقط. وأثناء الاستجابة المناعية الأوَّلية، يكوِّن الجهاز المناعي الخلطي والخلوي خلايا ذاكرة. خلايا الذاكرة هي خلايا مناعية غير نشطة تعيش لفترة طويلة جدًّا داخل أعضاء جهاز المناعة مثل العقد الليمفاوية والنخاع العظمي. يوضح الشكل 2 تمثيلًا بيانيًّا لمراحل الاستجابة المناعية الأولية.
مصطلح رئيسي: الاستجابة المناعية الأوَّلية
تحدث الاستجابة المناعية الأوَّلية بعد التعرض الأول لمولد ضد. وينتج عن الاستجابة المناعية الأوَّلية تكوين خلايا الذاكرة المناعية.
عندما تواجه أجسامنا عدوى، فإنها تكوِّن مجموعات طويلة الأمد من خلايا الذاكرة البائية والخلايا التائية المساعدة والخلايا التائية السامة، وهذه الخلايا تحمل مستقبلات تتعرف على مولدات الضد المرتبطة بمسببات الأمراض المعدية بشكل متخصص. وبعد الاستجابة المناعية الأوَّلية، تُنتَج أيضًا أجسام مضادة متخصصة لمولد الضد وتستمر في الانتشار في الدم. وهذا هو السبب الذي يجعل الخضوع لفحص الأجسام المضادة لمولد ضد معين اختبارًا فعالًا لمعرفة ما إذا كان الشخص قد تعرض بالفعل لعدوى معينة أم لا.
تحتوي خلايا الذاكرة البائية على أجسام مضادة تتعرف على مُسبب المرض المحدد الذي أدى إلى تكوينها. وينطبق الأمر نفسه على خلايا الذاكرة التائية المساعدة. فخلايا الذاكرة التائية المساعدة تحتوي على مستقبِلات مُلائمة للتعرف على مسبب المرض الذي أدى إلى تكوين هذه الخلايا في المقام الأول. يعني هذا أنه في المرة الثانية للإصابة بالعدوى، ستكون خلايا الذاكرة هذه جاهزة بالفعل لتنشط سريعًا وتحارب العدوى على الفور.
عندما تواجه خلايا الذاكرة التائية المساعدة مولد الضد المكمِّل لها، تبدأ العمل على تهيئة الاستجابة المناعية الخلطية والخلوية. وعندما تُواجه خلايا الذاكرة البائية مولد الضد المكمل لها، فإنها تتمايز بسرعة إلى خلايا البلازما، التي تفرز أجسامًا مضادة، بالإضافة إلى خلايا ذاكرة بائية إضافية. هذا ما يُسمَّى الاستجابة المناعية الثانوية، وهو رد فعل أسرع وأقوى بكثير من الاستجابة المناعية الأولية. يوجد رسم توضيحي للاستجابة الأولية والاستجابة الثانوية للخلايا البائية في الشكل 3.
مصطلح رئيسي: الاستجابة المناعية الثانوية
تحدث الاستجابة المناعية الثانوية نتيجة التعرض اللاحق لمولد ضد. وتتميز الاستجابة المناعية الثانوية بسرعتها واستدامتها بسبب عمل خلايا الذاكرة المناعية.
مثال ٢: وصف تأثير مولد ضد مكمل على خلايا الذاكرة البائية
أيُّ العبارات تَصِف ما يحدث لخلية الذاكرة البائية حينما تواجِه مُوَلِّدَ ضدٍّ مُكمِّلًا؟
- تُفرِز كميات كبيرة من نوعٍ واحد من الأجسام المضادة.
- تتضاعف وتتمايز فقط إلى خلايا بلازما.
- تتضاعف فقط إلى مزيد من خلايا الذاكرة.
- تتضاعف وتتمايز إلى خلايا بلازما ومزيد من خلايا الذاكرة.
- تتمايز إلى خلايا بلازما وخلايا تائية مُساعِدة.
الحل
عندما يُواجه الجهاز المناعي أحد مسببات الأمراض لأول مرة، فإنه يُكوِّن أعدادًا من خلايا الذاكرة البائية وخلايا الذاكرة التائية المساعدة الطويلة الأمد، والتي تحمل مستقبلات تتعرف بشكل خاص على مولدات الضد المرتبطة بمسبب المرض.
تحتوي خلايا الذاكرة البائية على مستقبلات أجسام مضادة تتعرف على مُسبب المرض المحدد الذي أدى إلى تكوينها. وتتشابه هذه الخلايا في تركيبها مع الخلايا البائية من حيث إنها تحمل أجسامًا مضادة مرتبطة بغشاء الخلية. كما أنها لا تفرز أجسامًا مضادة مثل خلايا البلازما.
تتكاثر خلية الذاكرة البائية بسرعة، وتتمايز إلى كل من خلايا البلازما، التي تفرز كميات كبيرة من الأجسام المضادة، وإلى مزيد من خلايا الذاكرة، التي ستكون جاهزة لمحاربة أي عدوى مستقبلية لاحقة من مسبب المرض نفسه.
عندما تُواجه خلية الذاكرة البائية مولدَ ضدٍّ مكمِّلًا، فإنها تتكاثر وتتمايز إلى خلايا البلازما والمزيد من خلايا الذاكرة.
تنجح الاستجابة المناعية الثانوية نجاحًا جيدًا خاصة مع مسببات الأمراض التي لا تتغير بشكل كبير بمرور الوقت. على سبيل المثال، يتعرف الجسم بسهولة على الفيروس المسبب للحصبة. فالعدوى الأولى تصيب الشخص بالمرض؛ لأن الاستجابة المناعية الأولية تكون ضعيفة وبطيئة، حيث تهيمن المناعة الفطرية.
في بعض الأحيان، أثناء الاستجابة المناعية الأولية، ينتشر مسبب المرض بسرعة كبيرة ويتسبب في ضرر كبير قبل أن ينشط الجهاز المناعي التكيفي بشكل كامل. وفي هذه الحالات، قد يُتوفَّى المصاب نتيجة العدوى.
لكن إذا نجا من العدوى الأولية، فمن غير المحتمل أن يصاب الشخص بالحصبة مرة أخرى. حيث إن خلايا الذاكرة المُكوَّنة أثناء الاستجابة الأولية تعيش في الجسم طوال عمر الإنسان على الأرجح، وتتفاعل بسرعة كبيرة عند الإصابة اللاحقة بفيروس الحصبة، بحيث لا يعاني الشخص من أي أعراض على الإطلاق.
قد تتساءل عن سبب تكرار إصابتنا ببعض الأمراض. على سبيل المثال، لماذا لا يحمينا الجهاز المناعي التكيفي من الإصابة بنزلات البرد كل عام؟
تعتمد المناعة التكيفية على سهولة التعرف على مسبب المرض. إلا أن بعض الفيروسات، مثل مجموعة الفيروسات التي تُسبب نزلات البرد المعتادة، تتحور بسرعة. فهي تتغير بسرعة لدرجة أن أجسامنا لا تُفرِّق بين مولدات الضد الموجودة على السطح الخارجي لعدوى أو أخرى. ولذلك، فإن خلايا الذاكرة البائية وخلايا الذاكرة التائية المكونة أثناء العدوى الأولية لا تنشط فيما بعد، عند تعرض الخلايا لعدوى فيروسية متحورة غير معروفة. وبالنسبة لهذه الأنواع من مسبِّبات الأمراض، لا يمكن لمناعتنا التكيفية أن تحمينا من الإصابات اللاحقة بالعدوى.
مثال ٣: تفسير تكرار الإصابة ببعض أنواع العدوى الفيروسية
أكمل الجملة: تتكرَّر إصابة الإنسان ببعض الأمراض الفيروسية مثل الإنفلونزا؛ لأن البروتينات على السطح الخارجي للفيروس بسرعة، مُنتِجةً جديدة لا تتعرَّف عليها خلايا الذاكرة في الدورة الدموية.
- تتحلَّل مائيًّا، مولدات ضد
- تتشوَّه، مولدات ضد
- تتحوَّر، أجسامًا مضادة
- تتشوَّه، أجسامًا مضادة
- تتحوَّر، مولدات ضد
الحل
المناعة الفطرية هي المناعة التي نُولد بها. أما المناعة التكيفية فهي المناعة التي تتطور أثناء حياتنا. تشتمل المناعة التكيفية على ذاكرة مناعية تُهيئ الجسم للاستجابة إلى الإصابة بالعدوى للمرة الثانية، نتيجة لمسبب المرض نفسه، بشكل أسرع وأكثر فاعلية من استجابته عند الإصابة بالعدوى للمرة الأولى. وتعمل هذه الذاكرة المناعية بفعالية كبيرة لدرجة أننا قد لا نعاني من أعراض جسدية لعدوى لاحقة على الإطلاق!
ولكن بعض الفيروسات، مثل مجموعة الفيروسات التي تُسبب الإنفلونزا، تتحور بسرعة. حيث تتغير بسرعة جدًّا لدرجة أن أجسامنا لا تُفرِّق مولدات الضد الموجودة على السطح الخارجي بين العدوى والأخرى. ولذلك، فإن خلايا الذاكرة البائية وخلايا الذاكرة التائية المكونة أثناء العدوى الأولية لا تنشط فيما بعد عند تعرض الخلايا لعدوى فيروسية متحورة غير معروفة. وبالنسبة إلى هذه الأنواع من مسببات الأمراض، لا يمكن لمناعتنا التكيفية أن تحمينا من الإصابات اللاحقة بالعدوى.
تعتمد المناعة التكيُّفية على سهولة التعرف على مسبب المرض. ولا يمكن تحفيز الاستجابة المناعية الثانوية إلا عن طريق خلايا الذاكرة، إذا تم تحفيزها بواسطة مولدات الضد نفسها التي أدت إلى تكوينها في المقام الأول.
تتكرَّر إصابة الإنسان ببعض الأمراض الفيروسية مثل الإنفلونزا؛ لأن البروتينات على السطح الخارجي للفيروس تتحور بسرعة؛ مما ينتج باستمرار مولدات ضد جديدة لا تتعرَّف عليها خلايا الذاكرة في الدورة الدموية.
يُوضح الشكل 4 تمثيلًا بيانيًّا للاستجابة المناعية الأولية والثانوية. في هذا التمثيل البياني، يُمثِّل الزمن. ويُمثِّل تركيز الأجسام المضادة في الدم. وهذه طريقة لقياس قوة الاستجابة المناعية، لكن ضع في اعتبارك أن الخلايا التائية ستنشط أيضًا.
تُمثل «القمة» الحمراء الأولى الاستجابة المناعية الأولية لمولد ضد أطلقنا عليه اسم «مولد الضد (أ)». وتستغرق الاستجابة المناعية الأولية ما يقرب من أسبوع حتى تبدأ. وخلال هذا «الفاصل الزمني»، تخضع الخلايا البائية والخلايا التائية لعمليتي الانتقاء النسيلي والتوسع النسيلي، بينما يقاوم الجهاز المناعي الفطري العدوى باستخدام طرق غير متخصصة لمولد ضد معين. ولا تصل الاستجابة المناعية الأولية إلى ذروتها إلا بعد مرور أكثر من أسبوعين.
في النهاية، بعد مرور ما يقرب من 5 أسابيع، يتوقف نشاط الاستجابة المناعية الأولية بواسطة الخلايا التائية المثبِّطة، تاركة خلايا الذاكرة وتركيزًا منخفضًا من الأجسام المضادة المتخصصة لمولد الضد (أ) في الدورة الدموية.
يمكن أن تمتد الفترة الزمنية بين الاستجابتين الأولية والثانوية أسابيع أو عقودًا. تُمثل الاستجابة الثانوية المرة الثانية التي يواجه فيها جهاز المناعة مسبب المرض نفسه. وبالنسبة إلى الإصابات اللاحقة بالعدوى نفسها، الثالثة، والرابعة، والخامسة، وهكذا، فإنها ستبدو مثل التمثيل البياني للعدوى الثانية.
في التمثيل البياني الموضح في الشكل 4، تُمثل «القمة» الحمراء الثانية الاستجابة المناعية الثانوية لمولد الضد (أ). يمكننا أن نُلاحظ أن الاستجابة الثانوية لا تتضمن فاصلًا زمنيًّا. فهي تبدأ على الفور وتصل إلى ذروتها خلال أسبوع واحد تقريبًا، وهي نفس الفترة الزمنية التي تستغرقها الاستجابة الأولية لكي تبدأ. حيث إن وجود خلايا الذاكرة يعني أنه لا توجد حاجة لإجراء عملية الانتقاء النسيلي التي تستغرق وقتًا طويلًا. وذلك لأن الخلايا البائية والخلايا التائية الخاصة بمولد الضد (أ) تكون جاهزة بالفعل ليتم تنشيطها بسرعة.
نُلاحظ أن «قمة» الاستجابة الثانوية أعلى بكثير. كما ينتج المزيد من الأجسام المضادة عن طريق الخلايا بشكل أسرع أثناء الاستجابة الثانوية. وتظل هذه الأجسام المضادة في الدم لفترة أطول بعد التخلّص من العدوى.
يوجد على هذا التمثيل البياني أيضًا خط أخضر سمَّيناه (ب). ويوضح هذا الخط الاستجابة الأولية لمولد ضد مختلف، وليس مولد الضد (أ). وتم تضمين هذا الخط في هذا التمثيل البياني لسببين. أولهما هو توضيح أن الذاكرة المناعية المكتسبة لمولد ضد واحد تقتصر عليه فقط دون غيره. وأن الاستجابة المناعية الثانوية لا تحدث إلا لمولدات الضد التي واجهها جهاز المناعة من قبل. وبما أن هذا هو أول تعرض للجسم لمولد الضد (ب)، فإن منحنى الاستجابة الأولية لمولد الضد (ب) يكون مماثلًا تمامًا للاستجابة الأولية التي رأيناها في حالة مولد الضد (أ).
السبب الثاني في تضمين الاستجابة الأولية لمولد الضد (ب) مع الاستجابة الثانوية لمولد الضد (أ) هو السماح بإجراء مقارنة مباشرة بين الاستجابتين المناعيتين النموذجيتين الأولية والثانوية. وبوضعهما على التمثيل البياني خلال الفترة الزمنية نفسها، يُمكننا أن نلاحظ الاختلافات التي قد تصعب ملاحظتها عند مقارنة المنحنى الأول والمنحنى الثاني لمولد الضد (أ) على التمثيل البياني نفسه.
من المميزات المهمة الأخرى لهذا التمثيل البياني للاستجابة المناعية مقياس . ونُطلق عليه «المقياس اللوغاريتمي». يمكننا أن نُلاحظ أن كل علامة تجزئة رئيسية على تُساوي 10 أضعاف العلامة التي تسبقها. أي إن هذا المقياس أسي وليس خطيًّا. وهو يسمح للعلماء بعرض البيانات على مدى مجموعة كبيرة جدًّا من القيم على التمثيل البياني نفسه، مع تحديد الفروق التي يصعب رؤيتها بطريقة أخرى. يوضح الشكل 5 المقياس اللوغاريتمي للشكل 4.
يقارن الشكل 6 مباشرة بين البيانات الموضحة على الصورتين الخطية واللوغاريتمية. وبيانات العينة في التمثيلين البيانيين لها قيم متطابقة. لكن في التمثيل البياني الخطي، لا يمكنك ملاحظة وجود فرق كبير بين أول 5 نقاط بيانات. بينما عند تحديد النقاط نفسها على مقياس لوغاريتمي، يصبح الفرق بين كل نقطتي بيانات أكثر وضوحًا. وهذا مثال يُوضح سبب استخدام المقياس اللوغاريتمي لعرض بيانات مجموعة كبيرة من القيم بفعالية أكبر.
مثال ٤: قراءة التمثيل البياني للاستجابة المناعية على مقياس لوغاريتمي
يوضِّح الشكل الآتي التغيُّرات في تركيزات الأجسام المضادة في الدم بعد التعرُّض لمولِّدَي الضد (أ)، (ب).
ما الفرق بين ذروة تركيز الأجسام المضادة المُنتَجة في حالة الاستجابة الثانوية وذروتها في حالة الاستجابة الأوَّليَّة لمولد الضد (أ)؟
- عدد الأجسام المضادة المُنتَجة في حالة الاستجابة الثانوية أكبر بمقدار ثلاث مرات.
- عدد الأجسام المضادة المُنتَجة في حالة الاستجابة الثانوية أكبر بمقدار 100 مرة.
- عدد الأجسام المضادة المُنتَجة في حالة الاستجابة الثانوية أكبر بمقدار 10 000 مرة.
- عدد الأجسام المضادة المُنتَجة في حالة الاستجابة الثانوية أكبر بمقدار 1 000 مرة.
- عدد الأجسام المضادة المُنتَجة في حالة الاستجابة الثانوية أكبر بمقدار مرتين.
الحل
يستخدم هذا التمثيل البياني للاستجابة المناعية الأولية والثانوية مقياسًا لوغاريتميًّا. كل علامة مرقمة على تُساوي 10 أضعاف قيمة علامة التجزئة الرئيسية التي تسبقها. فالمقاييس اللوغاريتمية تتيح لنا عرض البيانات على مدى كبير من القيم في مساحة أقل.
الاستجابة المناعية لمولد الضد (أ) يمثلها اللون الأحمر. تصل الاستجابة الأولية إلى ذروتها عند 10. وتصل الاستجابة الثانوية إلى ذروتها عند 1 000. إذا لم نقرأ الأعداد الموجودة على هذا المقياس بعناية ولم ندرك أن المقياس أسي وليس خطيًّا، فقد نستنتج من النظرة الأولى أن ذروة الاستجابة الثانوية تُساوي ثلاثة أضعاف ذروة الاستجابة الأولية.
تدور جميع خيارات الإجابة حول «أضعاف» الأعداد الناتجة من الأجسام المضادة في الاستجابة الثانوية عند مقارنتها بالاستجابة الأولية. يمكننا كتابة هذه العلاقة الرياضية على الصورة، حيث «س» تمثل الاستجابة الثانوية، و«ص» تمثل الاستجابة الأولية:
والآن، يمكننا التعويض بالقيم من التمثيل البياني ونحل لإيجاد المقدار الناقص:
نقسم كِلَا طرفي هذه المعادلة على 10، ليصبح لدينا:
ونُكمل هذه العملية الحسابية:
إذن، أصبحنا نعرف الآن أن .
وهذا يعني أن إنتاج الأجسام المضادة يزيد 100 مرة في الاستجابة الثانوية مقارنة بذروة الاستجابة الأولية لمولد الضد (أ).
تُوضِّح الذاكرة المناعية الموضَّحة على التمثيل البياني للاستجابتين الأولية والثانوية لنفس مسبب المرض أو مولد الضد كيفية تكيف الجهاز المناعي التكيفي لدينا بمرور الزمن. كل عدوى تصيبنا تزودنا بخلايا ذاكرة جديدة تكون جاهزة دائمًا لمنع تكرار العدوى التي تكيفت لمقاومتها.
في مرحلة الطفولة، لا نتعرض لأنواع كثيرة من مسببات الأمراض؛ لذلك لا يحتوي الجهاز المناعي التكيفي لدينا على أنواع كثيرة من خلايا الذاكرة. فكل مرض من أمراض الطفولة التي نُصاب بها يؤدي إلى إنتاج أعداد من خلايا الذاكرة الجديدة التي يمكنها بعد ذلك منع الإصابة بالمرض نفسه مستقبلًا.
وهذه هي آلية عمل اللقاحات أيضًا. فاللقاح، أو التحصين، يُحفِّز الاستجابة المناعية الأولية عن طريق تنشيط الجهاز المناعي باستخدام مولد ضد غير ضار. ويُشتَق مولد الضد هذا من أحد مُسببات الأمراض الخطيرة. وهذا يُحفِّز جهاز المناعة لدينا على تكوين خلايا ذاكرة مضادة لمسبب المرض دون التعرض الأوَّلي للمرض على الإطلاق!
وبما أن الاستجابة المناعية الأولية أضعف من الاستجابة الثانوية، فإن بعض اللقاحات تتطلب جرعتين؛ وذلك لتحفيز العدوى اللاحقة وتحفيز إنتاج الأجسام المضادة طويلة الأمد والاستجابة الأقوى التي نراها على التمثيل البياني للاستجابة الثانوية.
يوصف جهازنا المناعي التكيفي بأنه قابل للتكيف؛ لأنه يتطور لحمايتنا من مسببات الأمراض الموجودة في بيئتنا الفردية. حيث تتكون خلايا الذاكرة المضادة لمسببات الأمراض التي نُصاب بها؛ لأنه من المحتمل أن نصاب بها مرة أخرى. وعندما نصل إلى سن الرشد، يصبح لدينا مجموعة من خلايا الذاكرة التي يمكنها منع إصابتنا بأكثر الأمراض شيوعًا!
دعونا نُلخِّص بعض النقاط الرئيسية عن الاستجابة المناعية الأوَّلية والثانوية.
النقاط الرئيسية
- المناعة المتخصصة هي الاستجابة المناعية المتخصصة لمولد الضد. والمناعة المتخصصة هي المناعة التي تتطور بمرور الزمن نتيجة التعرض لمسببات أمراض مختلفة.
- تتضمن المناعة التكيفية ذاكرة مناعية تُهيئ الجسم للاستجابة إلى الإصابة بالعدوى للمرة الثانية، نتيجة لمسبب المرض نفسه، بشكل أسرع وأكثر فاعلية من استجابته عند الإصابة بالعدوى للمرة الأولى.
- الاستجابة المناعية الأوَّلية تحدث بعد التعرض لأول إصابة بمولد ضد. وينتج عن الاستجابة المناعية الأولية تكوين خلايا الذاكرة المناعية.
- الاستجابة المناعية الثانوية تحدث بعد التعرض الثاني للإصابة بمولد الضد. وهي استجابة أكثر سرعة واستدامة، وذلك بسبب عمل خلايا الذاكرة المناعية.