في هذا الشارح، سوف نتعلَّم كيف نتعرَّف على أسباب تعدُّد محاولات فرنسا الاستيلاء على مصر، وعوامل قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر ١٧٩٨–١٨٠١م، وأحوال المجتمع المصري قُبَيْل الحملة الفرنسية.
وقعت مصر تحت حكم الدولة العثمانية واعتُبرت ولاية من ولاياتها منذ انتصار السلطان سليم الأول على المماليك في معركة الريدانية ١٥١٧م، ولمدَّة تقترب من ثلاثة قرون لم تَشهَد مصر خلالها أيَّ تطوُّر يُذكَر؛ حيث سادت حالة من الجمود الفكري والثقافي، وتراجَع المدُّ الحضاري على كافة المستويات السياسية والاقتصادية. وبينما كان المجتمع المصري على هذه الحالة من الثبات، كانت أوروبا على موعد مع الثورة الفرنسية ١٧٨٩م، الحدث الذي وضع العالَم على أعتاب عصر جديد. ولقد تَشابَكت أحداث ونتائج تلك الثورة بطريقة تدريجية إلى أن ظهر اسم مصر جليًّا على مسرح الأحداث العالَمية، ولكي نُدرك ذلك يجب أن نتعرَّف أولًا على الخلفية التاريخية لفكرة استيلاء فرنسا على مصر، وحتمية تبلور الفكرة في أذهان القادة بعد الثورة الفرنسية، كما سيتضح فيما يأتي.
محاولات فرنسا الاستيلاء على مصر قبل الثورة الفرنسية
تُعتبَر الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت رابع محاولة للفرنسيين تهدف إلى الاستيلاء على مصر في العصر الحديث، ولكن ما يجعلها تختلف عمَّا سبقها أنها دخلت حيِّز التنفيذ الفعلي؛ حيث لا تعدو المحاولات السابقة أن تكون مجرد فِكَر وأمنيات لم تَحظَ باتخاذ إجراءات حقيقية. ولعلَّ الثورة الفرنسية هي ما دفع الفكرة إلى حيِّز التنفيذ الفعلي، وذلك حين قدَّم الجنرال نابليون بونابرت اقتراحًا للحكومة الفرنسية بضرورة القيام بحملة عسكرية على مصر، وذلك بغرض حفظ مصالح فرنسا الاقتصادية المُهدَّدة من قِبَل بريطانيا بسبب سيطرتها على طريق رأس الرجاء الصالح.
هيَّا معًا نتعرَّف على هذه المحاولات الثلاث:
المحاولة الأولى: كانت أولى محاولات الاستيلاء على مصر في عهد الملك لويس الرابع عشر (١٦٧٢–١٧١٤م)؛ حيث فكَّر في الاستيلاء على مصر بهدف ضرب التجارة الهولندية في الهند، التي تمرُّ عن طريق مصر.
المحاولة الثانية: تجدَّدت عند الملك لويس الخامس عشر فكرة الاستيلاء على مصر في عهده، ليس من خلال أرسال حملة عسكرية، وإنما عن طريق طلب فرنسا تنازل الدولة العثمانية عن مصر.
المحاولة الثالثة: حاوَل الملك لويس السادس عشر السيطرة على مصر بهدف تسهيل تجارة فرنسا مع شرق آسيا عن طريق مصر بدلًا من الدوران حول أفريقيا.
وممَّا سبق نلاحِظ أن المحاولة الأولى والثالثة للاستيلاء على مصر كانتا ذواتَيْ خلفية عسكرية، بينما كانت المحاولة الثانية محاولة سِلْمية.
و نجد أيضًا أن مبرِّرات الملك لويس السادس عشر لغزو مصر هي نفس مبرِّرات نابليون بونابرت المتمثِّلة في تجاهل الدوران حول أفريقيا الذي احتكرته بريطانيا؛ ومن ثَمَّ الاعتماد على طُرق مصر التجارية للوصول إلى الشرق.
مثال ١: محاولات ملوك فرنسا الاستيلاء على مصر
أيٌّ من هؤلاء الملوك طلب من الدولة العثمانية التنازل عن مصر؟
- لويس التاسع.
- لويس السادس عشر.
- لويس الخامس عشر.
- لويس الرابع عشر.
الحل
الإجابة الصحيحة هي ج: «لويس الخامس عشر»؛ حيث مثَّلت فكرته هذه الطريقة السلمية الوحيدة لمحاولات ملوك فرنسا الاستيلاء على مصر.
الاختيار أ: «لويس التاسع» خطأ»؛ حيث كان هناك محاولة بالفعل للاستيلاء على مصر في عهد لويس التاسع، ولكنها كانت في القرن الثالث عشر الميلادي، وكانت واحدة من الحملات الصليبية على مصر.
الاختيار ب «لويس السادس عشر» خطأ؛ لأن لويس السادس عشر كان يهدف إلى تسهيل تجارة فرنسا عبر مصر، بدلًا من الدوران حول طريق رأس الرجاء الصالح عن طريق الحلول العسكرية.
الاختيار د: «لويس الرابع عشر» خطأ؛ لأن لويس الرابع عشر كان يهدف لضرب التجارة الهولندية في الهند التي تمرُّ عبر مصر عن طريق الحلول العسكرية أيضًا.
الثورة الفرنسية ١٤ يوليو ١ ٧٨٩م
تُعَدُّ الثورة الفرنسية إحدى أهم الثورات في التاريخ، التي غيَّرت وجه العالَم بمبادئها الثلاثة «الحرية، والإخاء، والمساواة»، كما كانت سببًا في إلْغاء النُّظُم المَلَكية المُطلَقة، وإحلال الجمهوريات القائمة على الديمقراطية محلَّها، فوَضعت بذلك أساس عقد اجتماعي جديد قاد فرنسا والعالَم أجمع إلى عصر النهضة والتقدُّم.
كما أن الثورة الفرنسية هي أول ثورة اجتماعية في أوروبا بقيادة الطبقة الوسطى بالتحالف مع طبقة العامة؛ حيث قرَّر أفراد المجتمع الفرنسي التخلُّص من أثر الجهل والجمود الفكري الذي خلَّفته ثقافة العصور الوسطى متمثِّلًا في تسلُّط رجال الدِّين، وطغيان الطبقة الحاكمة، فكان لهم ما أرادوا، وقد كان اقتحام الطبقة البرجوازية الوسطى لقلعة الباستيل رمزًا لمواجهة هذا الطغيان، وإعلانًا لانتصار الإرادة الشعبية على القيود كافة، وكانت هذه القلعة تُستخدَم سجنًا لقمع المعارضين السياسيين والمُدانين في قضايا فلسفية تخصُّ الدِّين.
ومن أهم نتائج الثورة الفرنسية ما يأتي:
- القضاء على المَلَكية وإقامة الجمهورية: استطاعت الثورة الفرنسية القضاء على نظرية حق الملوك في امتلاك سلطات مُطلَقة، التي أثَّرت بالسلب على مقدَّرات الشعب الفرنسي وتطلُّعاته لمستقبل أفضل، وقد ساهَمت الحركة الفكرية التي قادها فولتير وجان جاك روسو والكونت دي ميرابو في قيادة الجماهير نحو الثورة على الملك لويس السادس عشر.
- إعدام الملك لويس السادس عشر: لم تقتصر أحداث الثورة على إعدام الملك وزوجته ماري أنطوانيت، بل شهدت الثورة العديد من الأحداث الدموية، وانتشرت مقاصل الإعدام، وسادت الفوضى في كلِّ مكان، وهو ما سبَّب هلع ملوك الدول المجاورة مثل النمسا وبروسيا (جزء من دولة ألمانيا الحالية).
- تحالُف ملوك أوروبا ضدَّ الثورة: أدرك ملوك أوروبا خطورة الثورة على عروشهم، خاصةً بعد أن فرَّ نبلاء فرنسا إلى الخارج، وقاموا بتحريض هؤلاء الملوك على غزو فرنسا وإعادتهم إلى الحكم، واستجابة لهؤلاء النبلاء وتحت ضغط فزعهم من العنف الذي تزامن مع الثورة قام ملوك أوروبا بشنِّ حروب عديدة ضدَّ فرنسا وثورتها.
وكان هدف ملوك أوروبا من ذلك ما يأتي:
- إعادة المَلَكية إلى فرنسا.
- منع تسرُّب مبادئ الثورة خارج حدود فرنسا؛ حيث كان من أهم مبادئ وثيقة حقوق الإنسان التي أصدرتها الثورة الفرنسية أن الناس يُولَدون أحرارًا، وأن الأمَّة هي صاحبة السيادة، فكانت بذلك مصدر تهديد مباشر لسلطة ملوك هذه الدول.
والسؤال هنا علامَ انتهت تلك الحروب؟
بعد أن تلقَّت الثورة هزائم متتالية، استطاعت فرنسا الانتصار على تلك الدول المُعتدِية (بروسيا والنمسا) في معركة فالمي ١٧٩٢م، التي حوَّلت مسار فرنسا في الحرب من موقف الدفاع عن النفس إلى موقف الهجوم، ولم يتبقَّ أمام فرنسا سوى الانتقام من عدوِّها الأوحد المتمثِّل في بريطانيا.
مثال ٢: خطورة الثورة الفرنسية على ملوك أوروبا
أدرك ملوك أوروبا خطورة الثورة الفرنسية بسبب .
- إعدام الشعب الفرنسي للملك
- الخوف من طبقة العامة الفرنسية
- الحرص على استقرار أنظمتهم الحاكمة
- انتشار مبادئ الثورة داخل فرنسا
الحل
الإجابة الصحيحة هي ج: «الحرص على استقرار أنظمتهم الحاكمة»؛ حيث كان الحرص على استقرار نُظُم الحكم هو الأساس الذي دفع ملوك أوروبا إلى المواجهة المسلَّحة ضدَّ فرنسا.
الاختياران أ: «إعدام الشعب الفرنسي للملك»، ب: «الخوف من طبقة العامة الفرنسية» كانا بالفعل ممَّا أثار الهلع عند ملوك أوروبا، ولكنهم ما كانوا ليُعيروا الأمر اهتمامًا، ما لم تتعدَّ نتائج الثورة نطاق الدولة الفرنسية، ولكنهم خشوا من تسرُّب مبادئ الثورة خارج فرنسا، فتصبح تهديدًا مباشرًا لعروشهم.
الاختيار د: «انتشار مبادئ الثورة داخل فرنسا» خطأ؛ لأن ملوك أوروبا خشوا من تسرُّب مبادئ الثورة خارج فرنسا، وليس داخلها.
تُرى ما مدى تأثير القوة الناعمة في تشكيل الوعي الجماعي من خلال ما درستَه في الفقرات السابقة؟
القوى الناعمة هي قُدرة النخبة من قادة الفكر والثقافة والفنون ورجال السياسة الحصول على ما يُريدونه عن طريق الإقناع دون ضغط أو إجبار، ولقد رأينا كيف أن أفكار الكُتَّاب والفلاسفة قبل الثورة الفرنسية أمثال فولتير وجان جاك روسو وغيرهم أدَّت إلى تغيير شامل في مناحي الحياة الفرنسية ومهَّدت للثورة، وكيف أن وثيقة حقوق الإنسان التي وضعها القادة وخبراء السياسة الفرنسيون قادت إلى عصر نهضوي جديد بعد أن تسرَّبت مبادئها إلى سائر أنحاء العالَم.
عوامل قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر ١ ٧٨٩م
هيَّا معًا نتعرَّف كيف كانت الثورة الفرنسية ١٧٨٩م دافعًا أساسيًّا لقدوم الحملة الفرنسية على مصر ١٧٩٨م.
ولعلَّك تتساءل لماذا فشلت فرنسا في تحقيق الانتصار على بريطانيا مثلما فعلت مع النمسا وبروسيا؟
علمنا في الفقرة السابقة أن عددًا من ملوك أوروبا كانوا قد قرَّروا الحرب على فرنسا، وقد كانت بريطانيا من ضمن الدول التي قرَّرت ذلك، ونظرا لقِدَم العداء بين البلدين بداية من القرن السابع عشر ومرورًا بالقرن الثامن عشر، فقد أرادت فرنسا توجيه ضربة عسكرية لبريطانيا في عُقر دارها، لكنها لم تتمكَّن نظرًا لقوة الأسطول البريطاني الذي كان يُعَدُّ أكبر قوة بحرية في العالَم في ذلك الوقت.
لذا فكَّر نابليون بونابرت في توجيه ضربة عسكرية لبريطانيا خارج أراضيها لهذه الأسباب:
- الانتقام من موقف بريطانيا المعادي للثورة الفرنسية.
- التخلُّص من مضايقات بريطانيا وتهديدها للتجارة الفرنسية خلال رحلة وصولها إلى المشرق.
لهذا قرَّر نابليون إرسال حملة عسكرية تكون وجهتها الأساسية مصر؛ نظرًا لموقعها الجغرافي الذي أعطاها مكانة متميزة بين خطوط التجارة العالَمية، وبذلك انتقل مسرح الأحداث المتمثِّل في الصراع القديم بين فرنسا وبريطانيا من أوروبا إلى مصر.
إذن نستطيع القول إن الثورة الفرنسية أفضت إلى عدَّة أفكار اعتُبِرت من أسباب قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر، نوجزها فيما يأتي:
- ضرورة إيجاد طريق بديل لطريق رأس الرجاء الصالح الذي سيطر عليه البريطانيون ليسهل على الفرنسيين مرور تجارتهم إلى الشرق؛ لذا قد كان لزامًا عليهم التصدِّي للمماليك في مصر من أجل تأمين هذا الطريق.
- هدْم أُسس الإمبراطورية البريطانية في الشرق.
- إنشاء مستعمرات فرنسية في الشرق.
مثال ٣: دوافع الحملة الفرنسية على مصر
أرادت فرنسا الاستيلاء على مصر بناءً على دوافع .
- دينية وسياسية
- سياسية واجتماعية
- سياسية واقتصادية
- دينية واجتماعية
الحل
الإجابة الصحيحة هي ج: «سياسية واقتصادية»؛ سياسية لأن فرنسا قرَّرت الانتقام من موقف بريطانيا المعادي للثورة الفرنسية، واقتصادية لأن فرنسا قرَّرت التخلُّص من مضايقات بريطانيا لها على طريق التجارة المؤدِّي إلى الشرق (رأس الرجاء الصالح).
الاختيار أ: «دينية وسياسية» خطأ؛ لأن فرنسا لم يكن لها دوافع دينية، كما حدث من قبلُ في الحروب الصليبية.
الاختيار ب: «سياسية واجتماعية» خطأ؛ لأن فرنسا لم يكن لها دوافع اجتماعية، مثل نشر مبادئ الثورة الفرنسية مثلًا.
الاختيار د: «دينية واجتماعية» خطأ؛ لنفس مبرِّرات الاختيارين السابقين.
المجتمع المصري قُبَيْل الحملة الفرنسية
كانت مصر تخضع للحكم العثماني، وكانت تُعاني من الضعف السياسي والاقتصادي منذ أواخر القرن السابع عشر الميلادي، ونرى أنه من الضروري أن نتعرَّف على أحوال المجتمع المصري قبل وصول الحملة الفرنسية ومقارنتها بالمجتمع الفرنسي من جهة، ونتعرَّف على أسباب مقاومة المصريين لها من جهة أخرى.
أولًا: الحالة الاقتصادية
الزراعة: لم يكن مزارعو مصر يتمتَّعون بمِلْكية أراضيها، ولكن كانوا يزرعونها عن طريق تكليف السلطان العثماني لهم بزراعتها بصفته مالكًا لجميع الأراضي الزراعية المصرية. هذا التكليف تمثَّل في نظام يدعم حق المزارع في الانتفاع من الأرض دون أن يملكها ملكية تامة، هذا الانتفاع لم يكن مجانيًّا، ولكن كان مقابل ضرائب يدفعها المزارع.
وقد كان من الضروري على حاكم الدولة تنظيم أمور جباية الضرائب من المنتفعين (المزارعين)؛ لذا قد عهد إلى شخص دُعِيت وظيفته الإدارية باسم الملتزِم أو «المحصِّل»، كان الملتزِم يدفع الضرائب للدولة مقدَّمًا عن المنطقة المسئول عنها، ثم يعود لتحصيلها من مزارعي هذه المنطقة.
ما الامتيازات التي تمتَّع بها صاحب وظيفة الملتزِم؟
أعطت الدولة لصاحب وظيفة الملتزِم قطعة من الأرض تُسمَّى «الوسية» امتازت هذه الأرض بإعفائها من الضرائب عوضًا عن قيامه بوظيفة الملتزِم أو المحصِّل.
تعريف: نظام الالتزام
هو النظام الذي اتَّبعته الدولة العثمانية لجباية ضرائب الأراضي الزراعية، الذي يُعطي حق تحصيل الضرائب لإداريين يُدعَوْن «ملتزِمين»، على أن يدفعوا مبلغًا من المال مقدَّمًا عن المنطقة الزراعية التي تخضع لهم ثم يعودوا لتحصيلها من مزارعي هذه المنطقة.
ولكن هل حافَظ الملتزِم على امتيازاته التي أعطتها له الدولة دون المساس بحقوق الآخَرين؟
في الحقيقة كانت هناك تجاوزات شديدة في هذه المسألة، خاصة مع ضعف قبضة الدولة العثمانية على ولاياتها، فلم يَقنع الملتزِم بالوسية التي حصل عليها مقابل وظيفته محصِّلًا للضرائب، ولكن استخدم الملتزِم نفوذه في فرض إتاوات خارجية على المزارعين (الفلاحين) لتحقيق فائض مالي لحسابه الخاص، كما أنهم تمتَّعوا بسلطة سياسية إلى جانب سطوتهم المالية استطاعوا توريثها لأبنائهم من بعدهم.
نستطيع أن نتساءل أيضًا عمَّا ترتَّب على هذه التجاوزات التي مارَسها الملتزِم؟
أدَّت تجاوزات الملتزِم في جمع الضرائب من الفلاحين إلى عدم اهتمامهم بأمور الزراعة، وتفاقَم الأمر كثيرًا مع عدم اهتمام الدولة بسُبل الرَّيِّ وتقوية الجسور وحفظ الأمن، فأدَّى ذلك إلى تدهور اقتصاد الريف بصورة عامة.
الصناعة: نُقِل الصُّنَّاع المصريون المَهَرة إلى عاصمة الدولة العثمانية، وبقيت الصناعة يدوية ليس لديها القدرة على مواجهة الصناعات الأجنبية التي تعتمد على الآلات الحديثة، وهو ما جعلها غير قادرة على المنافسة الخارجية.
كانت طوائف الحِرَف في مصر تجمع أصحاب المِهَن كلٍّ على حِدة، مثل طائفة السقَّايين (المسئولين عن سقاية السكان) والحمَّارة (المسئولين عن ركوب الدواب بوصفها وسيلة من وسائل المواصلات)، وكان لكلِّ طائفة شيخ يقودها، وكانت طوائف الحِرَف الصناعية مثل النحَّاسين والحدَّادين والصبَّاغين جزءًا من نظام الطوائف العام في مصر، وكان لكلِّ صانع أو عامل مكانته تحت قيادة شيخ الطائفة.
وقد كان شيوخ الطوائف همزة الوصل بين الحكومة والصُّنَّاع؛ من حيث جمع الضرائب والإشراف على الإنتاج.
التجارة:
التجارة الداخلية: لم يتمكَّن التاجر المصري من الحصول على امتيازات من قِبَل الدولة العثمانية في وطنه، وسُمِح بها للرعايا الأجانب دون المصريين، كما أدَّى بعض الظروف المعاكسة إلى تدهور التجارة الداخلية، ومن هذه الظروف:
- عدم ثبات قيمة العملة المتبادَلة؛ حيث إنه من المتعارَف عليه أن قوة العملة وثباتها انعكاس لقوة اقتصاد الدول.
- اختلاف المكاييل والموازين من مكان إلى آخَر، وهذا يدلُّ على توقُّع حدوث خلافات شديدة بين التجَّار.
- عدم استقرار الأمن بسبب اشتداد النزاع بين الفِرَق العسكرية والإغارات المتلاحِقة لبدو الصحراء.
ولقد انتهز التجَّار الأجانب هذه الظروف السيئة فتمكَّنوا من السيطرة على أمور التجارة الداخلية، بسبب تنظيمهم من ناحية، والامتيازات التجارية التي تمتَّعوا بها من ناحية أخرى.
التجارة الخارجية: تدهورت تجارة مصر الخارجية بسبب اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح في القرن الخامس عشر الميلادي، وتحوُّل طريق التجارة بين الشرق والغرب من مصر إلى طريق رأس الرجاء الصالح، فاقتصرت التجارة الخارجية لمصر على دول حوض البحر المتوسط والسودان والحبشة وبلاد العرب واليمن.
وأخيرًا كان هناك عوامل أخرى ساعَدت على زيادة التدهور الاقتصادي، منها دفع الضريبة المفروضة على مصر باعتبارها ولاية عثمانية، والهدايا التي تُقدَّم للسلطان العثماني.
مثال ٤: الزراعة في العصر العثماني
أيٌّ من الآتي يُعَدُّ من الأسباب الرئيسية لتدهور الزراعة في ظلِّ الحكم العثماني؟
- تخلِّي المزارعين عن واجباتهم.
- فرض ضرائب إضافية.
- تأجير الأراضي للدولة العثمانية.
- تقاعُس الملتزِمين في جمع الإتاوات.
الحل
الإجابة الصحيحة هي ب: «فرض ضرائب إضافية»، هو السبب الأساسي لتدهور الزراعة في مصر؛ حيث أرهق الحكام العثمانيون الشعب المصري بالمزيد من الضرائب الإضافية.
الاختيار أ: «تخلِّي المزارعين عن واجباتهم» خطأ؛ لأن المزارعين لم يتخلَّوْا عن واجباتهم إلَّا نتيجةً لنُظُم الجباية الظالِمة، وفرض الضرائب الإضافية.
الاختيار ج: «تأجير الأراضي للدولة العثمانية» خطأ؛ لأن الدولة العثمانية اعتُبِرت بمثابة مالِك الأراضي الزراعية، وليس مستأجرًا لها.
الاختيار د: «تقاعُس الملتزمين في جمع الإتاوات» خطأ؛ لأن الملتزمين لم يتقاعسوا في جمع الإتاوات، بل على العكس من ذلك، فقد بالَغوا في تقدير الضرائب وفرضها على الفلاحين.
ثانيًا: الحالة الاجتماعية
كان المجتمع المصري قبل الحملة الفرنسية ينقسم إلى فئتين وثلاث طبقات.
أولًا: فئة الحكام من الأتراك والبكوات، وكان لهم السلطة والنفوذ، وعاشوا في عزلة اجتماعية عن باقي المجتمع، ويمثِّلون الطبقة العُليا.
ثانيًا: فئة المحكومين (المصريين)، وينقسمون إلى طبقتين:
- المشايخ والعلماء والتجَّار، ويمثِّلون شريحة وسطى بين الطبقات (الطبقة الوسطى).
- الفلاحين وصغار الحرفيين، يمثِّلون شريحة دُنيا (طبقة العامة).
و بسبب اعتماد الأزهر الشريف على العلوم النقلية دون العقلية والتطبيقية، فقد خَفَتَ نوره، فلم يستطع التصدِّي التام لانتشار الجهل والخرافات والشعوذة، كما ارتبط المجتمع المصري بالخلافة العثمانية باعتبارها رمزًا دينيًّا يدلُّ على وحدة المجتمع الإسلامي السياسية، فكانوا على استعداد لمحاربة كلِّ ما يُفكِّك هذا الرباط؛ لذا قد قاوَموا الحملة الفرنسية التي اعتبروها مظهرًا من مظاهر التسلُّط الأوروبي على المجتمعات الإسلامية الآمِنة.
في ضوء الفقرات السابقة، هل نستطيع المقارنة بين المجتمع الفرنسي والمجتمع المصري قبل قدوم الحملة الفرنسية؟
كانت هناك فترة زمنية فاصلة، حوالي تسع سنوات بين الثورة الفرنسية ١٧٨٩م، وقدوم الحملة الفرنسية إلى مصر ١٧٩٨م، حدثت خلالها تغيُّرات شاملة للمجتمع الفرنسي، وقد تَشابَه المجتمع المصري مع المجتمع الفرنسي قُبَيْل الثورة الفرنسية في عدَّة نقاط، لعلَّ أبرزها ما يأتي:
- التفاوت الطبقي، فقد احتكرت الطبقة العُليا كلَّ المميزات السياسية والاقتصادية بخلاف باقي طبقات المجتمع.
- غياب الوعي الفكري على كافة المستويات، وانتشار الجهل والخرافات.
- سيطرة رجال الدِّين وارتفاع مكانتهم الاجتماعية والسياسية في بعض الأحيان.
أمَّا فيما يتعلَّق بمظاهر الاختلاف بين المجتمعين فكان أبرزها ما يأتي:
- رفض المجتمع الفرنسي لفكرة تدخُّل الكنيسة ورجال الدِّين في الحكم، بينما كان المجتمع المصري ينظر إلى الخلافة العثمانية باعتبارها رمزًا دينيًّا للعالَم الإسلامي لا تجوز الثورة عليه.
- ظهور الوعي الفكري على يد مجموعة من المؤلِّفين والفلاسفة التنويرين، وقد انتقلت هذه الأفكار إلى أفراد المجتمع الفرنسي كافة، فدفعهم هذا فيما بعدُ إلى القيام بالثورة، بينما لم تتوفر الظروف المثالية لظهور مثل هؤلاء المؤلِّفين في مصر، فظلَّ المجتمع في حالة ركود ثقافي وتراجع فكري.
مثال ٥: طبقات المجتمع المصري
ازدادت الفجوة بين فئات المجتمع تحت الحكم العثماني بسبب .
- عُزلة الطبقة الحاكمة
- تعالي طبقة التجَّار والعلماء
- قوة طبقة العامة
- الثورات المتتالية لطبقة العامة
الحل
الإجابة الصحيحة هي أ: «عُزلة الطبقة الحاكمة»؛ حيث اتَّسَم حكم الدولة العثمانية بالانعزال التام لفئة الحكام التي تمثَّلت في الوالي العثماني وحاشيته والبكوات المماليك عن الشعب المصري.
الاختيار ب: «تعالي طبقة التجَّار والعلماء» خطأ؛ لأن طبقة التجَّار والعلماء كانوا من فئة المحكومين، فلم يكونوا سببًا لزيادة الفجوة بين فئات المجتمع.
الاختيار ج: «قوة طبقة العامة» خطأ؛ لأن طبقة العامة لم تكن قوية في ذلك الوقت.
الاختيار د: «الثورات المتتالية لطبقة العامة» خطأ؛ حيث لا تُوجَد ثورات متتالية لطبقة العامة في ذلك الوقت.
ثالثًا: الحالة السياسية
- نظام الحكم العثماني في مصر: فَرض على مصر نظامًا للحكم يؤكِّد تبعيِّتها التامة للسلطان العثماني، وقامت في مصر ثلاث إدارات تحكمها، وتراقب كلُّ واحدة منها الأخرى، وهي:
وكان من أهم أسباب ضعف الحكم العثماني في مصر قِصَر مدَّة حكم الوالي، وزيادة سلطة الديوان والحامية العسكرية، وقد تسبَّب ضعف الدولة العثمانية أواخر القرن السابع عشر الميلادي في تطلُّع البكوات المماليك للانفراد بحكم البلاد. - محاولة علي بك الكبير الاستقلال بمصر عن سلطة الدولة العثمانية:
تطلَّع المماليك للانفراد بحكم البلاد، مثلما فعل علي بك الكبير زعيم المماليك منتهزًا فرصة حروب الدولة العثمانية مع روسيا ١٧٦٨م، التي لم تكن نتائجها في صالح الدولة العثمانية.
ماذا فعل علي بك الكبير ليؤكِّد حكمه على مصر؟
قام علي بك الكبير بالآتي:
- عزَل الوالي العثماني، ومنَع قدوم غيره، واستخدَم في ذلك سلطة الديوان وحقهم في عزل الوالي، فاستصدر أمرًا من الديوان بذلك.
- امتنع عن دفع الخراج، وضرَبَ النقود باسمه.
- أخضع منطقة الحجاز لنفوذه، وأرسل نائبه محمد بك أبو الدهب لغزو الشام.
ولقد نجح محمد بك أبو الدهب في حملته على الشام، ودخل دمشق وأخضعها لسلطان علي بك الكبير، وبذلك امتدَّ سلطان علي بك الكبير ليشمل مصر والحجاز والشام في أقلَّ من سنتين، كما هو مُبيَّن في الخريطة المقابلة.
ولقد استطاع العثمانيون استمالة محمد بك أبو الدهب، وتحريضه للانقلاب على سيده علي بك الكبير، وتم ذلك بالفعل، فعادت مصر ولاية عثمانية تحت حكم شيخ البلد محمد بك أبو الدهب، وحُكِم على حركة علي بك الكبير الانفصالية بالفشل بسبب الخيانة.
ولم تَشهَد مصر استقرارًا بعد فترة تولِّي محمد بك أبو الدهب؛ حيث اندلعت الانقسامات الداخلية بين فِرَق المماليك، فأدَّى ذلك إلى تدهور الاقتصاد وتقلُّص التجارة الخارجية، وعندما وصلت الحملة الفرنسية ١٧٩٨م كان هناك اثنان من المماليك على مسرح الأحداث بيدهما حكم مصر مجتمعَيْن، هما إبراهيم بك، الذي تولَّى الأمور الإدارية، ومراد بك، الذي تولَّى أمور الجيش.
النقاط الرئيسية
- كانت مصر تحت الحكم العثماني قبل مجيء الحملة الفرنسية، واتَّصفت الأحوال السياسية والاقتصادية والثقافية فيها بالجمود خلال تلك الفترة.
- جاءت أفكار ملوك فرنسا للاستيلاء على مصر نتيجة للصراعات الاستعمارية، وبسبب تميُّز موقع مصر الجغرافي.
- اندلعت الثورة الفرنسية في أوروبا، وتفاقَم الخلاف بين فرنسا وبريطانيا، وهو ما دفع فرنسا إلى قرار إرسال حملة فرنسية إلى مصر.
- تدهورت الزراعة والتجارة الداخلية والخارجية، ولم تتطوَّر الصناعة خلال العصر العثماني.
- انقسم المجتمع المصري إلى فئتين: حكام وهم العثمانيون والمماليك، ومحكومين وهم المصريون.
- مثَّل الحكامُ الطبقة العُليا في البلاد، بينما شكَّل المصريون الطبقة الوسطى وطبقة العامة.
- كان نظام الحكم السياسي في مصر ضعيفًا بسبب قِصَر مدَّة حكم الوالي، وزيادة سلطة الحامية العسكرية والديوان، وهو ما أدَّى إلى تطلُّع المماليك إلى الانفراد بالحكم.
- جاءت محاولة استقلال علي بك الكبير بحكم البلاد نتيجة ضعف قبضة الدولة العثمانية على مصر، وباءت هذه الحركة بالفشل نتيجة لخيانة محمد بك أبو الدهب.