في هذا الشارح، سوف نتعلَّم كيف نَصِفُ تغيُّر لون جسم أسود مثالي بتغير درجة حرارته، ونفسر كيف يوضح هذا مبدأ تكمية الضوء.
الجسم الأسود هو جسم فيزيائي مثالي. على الرغم من أنه لا يوجد جسم أسود مثالي، فإن مفهوم الجسم الأسود يظل مفيدًا باعتباره وصفًا تقريبيًّا للعديد من الظواهر المرصودة.
تعريف: الجسم الأسود
الجسم الأسود هو جسم يمتص كل الإشعاع الكهرومغناطيسي (الضوء) الساقط عليه. ويبدو الجسم الذي يمتص كل الضوء المرئي أسود اللون، وهذا هو السبب في تسمية الأجسام السوداء بهذا الاسم.
وتبعث أيضًا الأجسام السوداء إشعاعًا، بناءً على درجة حرارتها.
نعلم أن أي جسم يمتص طاقة سيسخن؛ إذ سترتفع درجة حرارته. وبعد ذلك تُتاح للجسم فرصة إشعاع بعض الطاقة الممتصة. لا تمتص الأجسام السوداء الطاقة فحسب، بل تشعها أيضًا، وتفعل ذلك بطريقة محددة للغاية.
انظر عنصر التسخين الكهربي الموضح أدناه.
يبعث ملف التسخين هذا إشعاعًا. ونلاحظ أن هذا الجزء من الملف «متوهج» باللون الأحمر. بينما الأجزاء الأخرى من الملف ليست بهذا القدر من التوهج، ويبدو لونها أحمر باهتًا. عندما يسخن الملف، يتغير الطول الموجي (ومن ثَمَّ الطاقة) للضوء المنبعث.
ملف التسخين هذا هو تقريب جيد لجسم أسود. لأن الأجسام السوداء تبعث الضوء أيضًا بناءً على درجة حرارتها.
مع الوضع في اعتبارنا أن العديد من الأطوال الموجية للضوء غير مرئية لأعيننا، انظر إلى التمثيل البياني الذي يوضح كيف ينبعث الضوء من الأجسام السوداء عند درجات حرارة مختلفة.
يوضح هذا التمثيل البياني شدة الضوء على المحور الرأسي والطول الموجي على المحور الأفقي. أما المنحنيات الأربعة المرسومة، فهي للأجسام السوداء التي تم تسخينها إلى درجات حرارة 3 000، و4 000، و5 000، و6 000 كلفن على الترتيب. 6 000 K هي درجة الحرارة التقريبية لسطح الشمس.
وفيما يخص اللون الذي ستظهر به هذه الأجسام السوداء، نلاحظ أنه حتى درجة حرارة تبلغ تقريبًا 5 000 K، يكون الطول الموجي للضوء المرئي المنبعث بأقصى شدة من الجسم الأسود هو للون الأحمر. عند درجات الحرارة الأعلى، يتغير اللون المرئي للجسم.
وكما يوضح التمثيل البياني، فإن الطريقة التي يشع بها الجسم الأسود الطاقة تعتمد على درجة حرارته. يمكننا أن نفهم بشكل أفضل سبب اتِّخاذ منحنيات الإشعاع هذه الأشكال المحددة من خلال التفكير في الجسم الأسود باعتباره تجويفًا.
يرتد الضوء الذي يدخل التجويف، فاقدًا طاقة عند كل انعكاس من خلال الامتصاص. يمكننا القول إن التجويف يمتص بفاعلية كل الضوء الساقط عليه، ما يعني عدم انعكاس أي ضوء للخارج.
يُسخن امتصاص الطاقة التجويف، الذي يبدأ بعد ذلك في بعث الطاقة في صورة إشعاع.
بتذكر أن الضوء موجة، فإننا نلاحظ أن أبعاد التجويف تفرض شروطًا حدية معينة على الموجات التي يكوِّنها التجويف. بعض الأطوال الموجية، التي توافق الشروط الحدية للتجويف، «مسموح بها»، بينما لا تتكون الموجات التي لا توافق هذه الشروط.
على وجه التحديد، الأطوال الموجية التي يمكن تكوُّنها في التجويف هي الموجات التي إزاحتها تساوي صفرًا عند جدران التجويف.
بعث التجويف هذا النوع من الموجات في صورة إشعاع جسم أسود، وتوجد العديد من الموجات الممكنة بخلاف الموجات الموضحة في الشكل.
النقطة المهمة هنا ليست أن الجسم الأسود عبارة عن تجويف تحدد أبعاده الفيزيائية الضوء الذي يمكنه أن يبعثه. بل إن الجسم الأسود، باعتباره نظامًا، يقيد مستويات طاقة النظام بحيث تأتي في كميات منفصلة.
على سبيل المثال، لاحظ طاقة جسم موضوع على سلم.
بغض النظر عن الدرجة التي يرتكز عليها الجسم، فإن طاقته ستكون عددًا صحيحًا مضروبًا في ، وهي طاقة وضع الجاذبية للجسم عندما يكون على الدرجة الأولى. فلا يمكن مثلًا أن تكون قيمة طاقة الجسم أو أو أي عدد غير صحيح مضروبًا في هذه القيمة.
وعندما يمكن لطاقة نظام أن تأخذ كميات منفصلة معينة فقط، نقول إنها طاقة «مُكمَّمة».
درس عالم فيزياء يُدعى ماكس بلانك أنظمة الجسم الأسود. وقارن بين كيفية إشعاع الأجسام السوداء إذا كانت طاقاتها غير مُكمَّمة، وكيفية إشعاعها إذا كانت مُكمَّمة. وفيما يلي تمثيل بياني لهذين النموذجين.
لاحظ بلانك أن منحنى الانبعاث القائم على افتراض أن طاقة الجسم الأسود مُكمَّمة، يتفق مع القياسات التجريبية.
ووضع علاقة رياضية بين مستويات طاقة الجسم الأسود والأطوال الموجية (أو الترددات) الخاصة بإشعاعها.
صيغة: الطاقة والتردد والكمات المنبعثة من الجسم الأسود.
حيث هو عدد كمات الضوء في النظام الذي تردده و هو ثابت يسمى ثابت بلانك، وقيمته التقريبية تساوي m2⋅kg/s.
لاحظ أنه بالنسبة لموجات الضوء، تكون سرعة الموجة هي سرعة الضوء في الفراغ . وبما أن سرعة الموجة بوجه عام تساوي تردد الموجة في طولها الموجي: يمكننا كتابة:
تساعدنا هذه المعادلة في فهم السبب الذي يجعل افتراض تكمية الطاقة يكون منحنى إشعاع جسم أسود يتجه إلى الصفر عندما يأخذ الطول الموجي في التضاؤل.
في نظام تجويف جسم أسود، على الرغم من زيادة عدد الأنماط الرنينية مع انخفاض الطول الموجي، فإن كمية الطاقة اللازمة لإنتاج كم من الضوء عند الأطوال الموجية القصيرة كبيرة جدًّا، وتكون كبيرة للغاية بحيث يكون من المستبعد أن ينتجها النظام.
وفي الطرف الآخر من الطيف، عندما تصبح الأطوال الموجية كبيرة، يكون هناك عدد أقل من الأنماط التي توافق الشروط الحدية لتجويف معين. وعليه، يقل عدد كمات الضوء المنبعثة، وهو ما يفسر سبب انخفاض منحنى الانبعاث.
مثال ١: تحديد الأنماط الرنينية المسموح بها في تجويف
أي من الموجات الكهرومغناطيسية الموضحة في الشكل لتجويفٍ تناظر نمطًا رنينيًّا ممكنًا للتجويف؟
الحل
الأنماط الرنينية للتجويف هي الموجات التي يمكن أن تتكون بين طرفي الموجة بحيث تكون الإزاحة الابتدائية والنهائية للموجة تساوي صفرًا. يمكننا اعتبار هذه الشروط شروطًا حدية مفروضة على جميع الموجات الموقوفة في تجويف.
عند دراسة الخيار (أ)، نلاحظ أن إزاحة الموجة (ومن ثَمَّ مجالها الكهربي) تساوي صفرًا عند الطرف الأيسر ولكن ليس عند الطرف الأيمن. وبالتالي، فإن مثل هذه الموجة لا يمكن أن تتكون بين هاتين النقطتين على جدران التجاويف.
وفي المقابل، يوضح الخيار (ب) موجة إزاحتها تساوي صفرًا عند كلا الطرفين. إذن توافق الشروط الحدية للتجويف؛ ومن ثَمَّ فهي نمط رنينيٌّ ممكن للتجويف.
مثال ٢: تحديد الشروط الحدية للأنماط الرنينية في تجويف
أيُّ كلمة تكمل بطريقة صحيحة الجملة الآتية حول الأنماط الرنينية للموجات الكهرومغناطيسية في تجويف؟
الموجة الكهرومغناطيسية التي تكون نمطًا رنينيًّا لتجويف يجب أن تكون إزاحتها عند حدود التجويف.
- قصوى
- تساوي صفرًا
- لا تساوي صفرًا
الحل
لكي نكمل الفراغ في هذه الجملة بشكل صحيح، سيكون من المفيد أن نتذكر أن النمط الرنيني في تجويف يستوفي الشروط الحدية التي تستوفيها موجة موقوفة على حبل مثبت من الطرفين.
عندما يكون طرفا الموجات الموقوفة ثابتين، يجب أن تكون الإزاحة صفرًا عند كل طرف. بالنسبة إلى الموجات الكهرومغناطيسية في التجاويف، تكون جدران التجاويف بمثابة نقطتي البداية والنهاية الثابتتين. وبناءً على ذلك، يجب أن تكون إزاحة أي أنماط رنينية تساوي صفرًا عند هذه الحدود. إذن الإجابة هي الخيار (ب).
مثال ٣: تحديد كيف يؤثر الطول الموجي على عدد أنماط التجويف
توضح الأشكال (أ) و(ب) و(ج) أنماط الرنين في تجويف للموجات الكهرومغناطيسية التي تنبعث من نقطة في تجويف. بالنظر إلى الطول الموجي لموجة يمكنها أن تكون نمطًا رنينيًّا في تجويف وعدد الأنماط لهذا الطول الموجي التي يمكن أن توجد في هذا التجويف، هل تؤدي زيادة الطول الموجي إلى زيادة عدد الأنماط، أم تقلل منه، أم لا تؤثر عليه؟
الحل
نرى في هذه الأشكال ثلاث لقطات لتجويف معين. وفي جميع الحالات الثلاثة، ينبعث الإشعاع الذي له طول موجي محدد من نقطة ثابتة على الجانب الأيسر من التجويف. تختلف الأطوال الموجية في كل حالة.
يوضح الشكل (ج) أطول طول موجي. بمعلومية نقطة بداية التجويف وأبعاده، يوجد موضعًا واحدًا فقط على جدران التجويف حيث تكون إزاحة هذا الطول الموجي تساوي صفرًا عند كلا الطرفين. وبناءً على ذلك، يكون لهذه الموجة نمط رنيني واحد.
في الشكل (ب) تنبعث موجة لها طول موجي أقصر قليلًا من نفس النقطة. مرة أخرى، بالنظر إلى أبعاد التجويف، نجد أن هناك موضعين تلتقي فيهما هذه الموجة مع الجدار وإزاحتها تساوي صفرًا. ومن ثَمَّ، هذه الموجة لها نمطان رنينيان.
يوضح الشكل (أ) أقصر طول موجي على الإطلاق في الأشكال الثلاثة، وهو يوافق التجويف بثلاث طرق مختلفة. وتمثل كل طريقة من هذه الطرق نمطًا رنينيًّا منفصلًا.
الذي نلاحظه في أنه كلما قصر الطول الموجي للموجات في التجويف، زادت الأنماط الرنينية لهذه الموجات. الموجات ذات الطول الموجي الأقصر لها طرق أكثر لتوافق تجويف معين عن طريق استيفاء الشروط الحديَّة مقارنة بالموجات ذات الطول الموجي الأطول.
في إجابة هذا السؤال، يمكننا القول إن زيادة الطول الموجي لموجة ما في تجويف يقلل عدد الأنماط الرنينية لهذه الموجة.
مثال ٤: تحديد المنحنى المناظر لمستويات طاقة الجسم الأسود مُكَمَّمة
يوضح الشكل منحنيين، كل منهما يمثل طيف انبعاث الأشعة الكهرومغناطيسية المتوقع من جسم أسود حسب نموذج مختلف لإشعاع الجسم الأسود.
- أي المنحنيين يوافق بشكل أفضل نموذجًا لأشعة الجسم الأسود؛ حيث يزداد عدد الموجات الكهرومغناطيسية المُنبعِثة بواسطة الجسم الأسود كلما قل الطول الموجي للموجات، ولا يتأثر عدد هذه الموجات بأي عوامل أخرى؟
- في حالة الأطوال الموجية الأكبر من الطول الموجي الواقع عند القمة للطيف الموضح بالمنحنى الأزرق، كيف يتغير الفرق بين الشدتين المتوقعتين بواسطة النموذجين لطولين موجيين معينين كلما زاد الطول الموجي؟
- يقل الفرق في الشدة.
- يزداد الفرق في الشدة.
الحل
إذا نظرنا إلى التمثيل البياني المعطى، فسنرى المنحنيين الأزرق والأرجواني، يمثل كل منهما نموذجًا مختلفًا لإشعاع الجسم الأسود. الفرق الأساسي بين المنحنيين هو أنه مع اقتراب الطول الموجي من الصفر، يقترب المنحنى الأزرق من الصفر بينما يزداد المنحنى الأرجواني دون حد.
الجزء الأول
يطلب الجزء الأول من السؤال تحديد المنحنى الذي يوافق بشكل أفضل نموذجًا للإشعاع يزيد فيه عدد الموجات المنبعثة كلما قل الطول الموجي، دون أن يؤثر أي عامل آخر على هذا العدد.
رأينا أنه مع تناقص الطول الموجي، يقترب المنحنى الأزرق من الصفر. ومن ثَمَّ، يجب أن يقل أيضًا عدد الموجات المنبعثة عند الأطوال الموجية الأقصر.
من ناحية أخرى، بما أن شدة المنحنى الأرجواني (ومن ثَمَّ الطاقة) تزداد مع انخفاض الطول الموجي، يوافق هذا المنحنى بشكل أفضل نموذجًا تزداد فيه عدد الموجات المنبعثة مع انخفاض الطول الموجي للموجة. إذن، إجابة الجزء الأول من السؤال هي المنحنى الأرجواني.
الجزء الثاني
في الجزء الثاني، نريد مقارنة الفرق بين المنحنيين الأزرق والأرجواني عند زيادة الطول الموجي. وبالعودة إلى التمثيل البياني، نلاحظ أن هذين المنحنيين يقتربان أحدهما من الآخر كلما زاد الطول الموجي. ومن ثَمَّ، يتناقص الفرق بينهما في الشدة؛ ولذلك إجابتنا هي الخيار (أ).
مثال ٥: مقارنة انبعاث الجسم الأسود بامتصاص الجسم الأسود
اختر الكلمة التي تُكمل بشكل صحيح العبارة الآتية عن انبعاث الإشعاع الكهرومغناطيسي من جسم أسود مثالي:
طيف انبعاث الإشعاع الكهرومغناطيسي لجسم أسود مثالي طيف الإشعاع الذي يمتصه الجسم الأسود.
- لا يعتمد على.
- معكوس.
- يماثل.
الحل
في هذا السؤال، نقارن بين الطريقة التي يبعث بها الجسم الأسود الإشعاع والطريقة التي يمتصه بها.
نتذكر من تعريف الجسم الأسود أن الأجسام السوداء هي أجسام مثالية تمتص جميع الإشعاع الكهرومغناطيسي الساقط عليها. وبهذه الطريقة، ليس لديها تفضيل أو حد لنوع الإشعاع الذي تمتصه.
عندما ينبعث منها الإشعاع، لا تشع الأجسام السوداء الأطوال الموجية للضوء التي امتصتها بالضبط ولا تبعث بالتساوي عند كل الأطوال الموجية.
وإنما بدلًا من ذلك تبعث إشعاعًا وفقًا لصورة وظيفية تتغير فقط مع درجة حرارة الجسم الأسود.
وبما أن درجة حرارة الجسم الأسود لا تشير إلى نوع الإشعاع الذي امتصه الجسم، يمكننا القول إن طيف الانبعاث والامتصاص لجسم أسود مثالي لا يعتمد على طيف الإشعاع الذي يمتصه الجسم الأسود. وهذا ما يشير إليه الخيار (أ).
النقاط الرئيسية
- الجسم الأسود هو جسم مثالي يمتص كل الإشعاع الساقط ويبعث الإشعاع بناءً على درجة حرارته.
- يمكن تمثيل الأجسام السوداء على صورة تجاويف تسمح شروطها الحدية ببعض الموجات المنبعثة ولا تسمح بموجات أخرى.
- يتطلب فهم كيف يبعث الجسم الأسود الطاقة افتراضًا بأن طاقة الموجة منفصلة أو «مُكَمَّمة».
- كمات طاقة الضوء التي تنبعث من جسم أسود تعرِّفها معادلة بلانك حيث هو عدد الكمات التي لها تردد و هو ثابت بلانك الذي تبلغ قيمته التقريبية m2⋅kg/s.