في هذا الشارح، سوف نتعلَّم كيف نَصِف تنظيم مستوى الجلوكوز في الدم بواسطة الإنسولين والجلوكاجون، باعتبار ذلك مثالًا للتغذية الراجعة السلبية.
يُعَدُّ الجلوكوز جزيئًا ضروريًّا لكثير من الكائنات الحية. نحن البشر نعتمد عليه اعتمادًا شبه تامٍّ لإطلاق الطاقة في خلايانا من خلال عملية التنفس الخلوي. ولعلك تتذكَّر أن التنفس الخلوي هو العملية التي تتكسَّر من خلالها المركَّبات التي تحتوي على الكربون، مثل الجلوكوز، لتحرير الطاقة في صورة أدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP). وجزيئات ATP هذه يُمكن استخدامها بعد ذلك في العمليات الحيوية الأخرى، مثل الحركة والنمو. نحصل على الجلوكوز من الكربوهيدرات التي نأكلها في غذائنا.
مصطلح رئيسي: الجلوكوز
الجلوكوز جزيء سُكَّر أحادي بسيط يتكوَّن من ستِّ ذرات كربون.
تعريف: التنفُّس الخلوي
التنفُّس الخلوي عملية تَحدُث داخل الكائنات الحية، تتكسَّر من خلالها المركَّبات التي تحتوي على الكربون (مثل الجلوكوز)، لتحرير الطاقة في صورة ATP.
الكربوهيدرات جزيئات تتكوَّن من عناصر الكربون والهيدروجين والأكسجين فقط. والجلوكوز صورة بسيطة للغاية من الكربوهيدرات، فهو يتكوَّن من حلقة واحدة بها ستُّ ذرات كربون. ويُمكن أن يُوجَد الجلوكوز في صورتين مختلفتين؛ جلوكوز ألفا وجلوكوز بيتا، وكلاهما موضَّح في الشكل 1 الآتي.
تُشير الأعداد الموضَّحة باللون البرتقالي إلى الكربون، فالكربون ؛ أي الأول في اتجاه دوران عقارب الساعة بدءًا من الأكسجين، يُشار إليه بالرقم 1، ويُعرَف أحيانًا بالكربون الأنوميري. يُمكنك أن ترى أن الاختلاف في التركيب بين نوعَيِ الجلوكوز هو أن مجموعة ، وذرة في الكربون مقلوبتان في جلوكوز بيتا. إذا كانت مجموعة عند ذرة الكربون الأنوميري تقع أسفل الحلقة الكربونية، يكون الجزيء جلوكوز ألفا (الموضَّح على اليمين)، وإذا كان أعلى الحلقة، يكون الجزيء جلوكوز بيتا (الموضَّح على اليسار).
مصطلح رئيسي: الكربوهيدرات
الكربوهيدرات جزيئات تتكوَّن من عناصر الكربون والهيدروجين والأكسجين فقط، وتتكسَّر عادةً لإطلاق طاقة في الخلايا الحيوانية.
وبما أن الجلوكوز يحتوي على حلقة واحدة فقط، فإنه يُعَدُّ مثالًا على السُّكَّريات الأحادية. وتُشير كلمة «أحادية» إلى أنه يتكوَّن من حلقة واحدة، وتُشير كلمة «سُكَّريات» إلى أنه «سُكَّر»، في إشارة إلى حقيقة أن جميع الكربوهيدرات سُكَّريات. أمَّا متعدِّد السُّكَّريات، فيحتوي على العديد من حلقات جزيئات الكربون المرتبطة معًا؛ حيث تُشير كلمة «متعدِّد» إلى أن به العديد من الحلقات. وتُعَدُّ متعدِّدات السُّكَّريات جزيئات تخزين مُفيدة؛ لأنها كبيرة، وأغلبها غير قابل للذوبان. وفي الخلايا الحيوانية، يُسمَّى جزيء التخزين المتعدِّد السُّكَّريات بالجليكوجين.
مصطلح رئيسي: الجليكوجين
الجليكوجين بوليمر من الكربوهيدرات شحيح الذوبان يُمكن تخزين السُّكَّريات على صورته في الخلايا الحيوانية.
هيَّا نتعرَّف كيف يُمكن للجلوكوز أن يَصِل إلى خلايا الجسم المختلفة لاستخدامه في التنفُّس الخلوي أو تخزينه في صورة جليكوجين.
يُتناوَل الجلوكوز ويُهضَم من الكربوهيدرات الأكبر، مثل النشا، في الطعام. ثم يُمتَصُّ الجلوكوز إلى داخل الخلايا التي تكوِّن جدران الأمعاء الدقيقة. وبعد ذلك، ينتقل الجلوكوز إلى الخملات المعوية؛ حيث يُمكنه الانتشار إلى الشُّعيرات الدموية المحيطة. والشُّعيرات الدموية عبارة عن أوعية دموية، وفيها يذوب الجلوكوز في الجزء المائي من بلازما الدم ليدخل في دورة الجسم.
يعمل الدم بمثابة وَسَط ناقلٍ ينقل الجلوكوز في أنحاء الجسم إلى الخلايا المختلفة التي تحتاجه. وعندما يَصِل الجلوكوز إلى النسيج المُستهدَف، ينتقل عبر جدار الشُّعيرات الدموية إلى خلايا الجسم.
مثال ١: وصْف الأنشطة التي ترفع مستوى الجلوكوز في الدم
أيٌّ من الأنشطة الآتية يرفع مستوى الجلوكوز في الدم؟
- تناول وجبة كبيرة
- السَّيْر مسافة طويلة
- الجرْي السريع مسافة 100 متر
- النوم لمدَّة 8 ساعات
الحل
يعتمد الإنسان على السُّكَّريات، مثل الجلوكوز، لإطلاق الطاقة في خلاياه من خلال عملية التنفُّس الخلوي. ولعلك تتذكَّر أن التنفُّس الخلوي هو العملية التي تتكسَّر من خلالها المركَّبات التي تحتوي على الكربون، مثل الجلوكوز، لتحرير الطاقة في صورة ATP. وجزيئات ATP هذه يُمكن استخدامها بعد ذلك في العمليات الحيوية الأخرى، مثل الحركة والنمو.
ونحصل على الجلوكوز من الكربوهيدرات التي نأكلها في غذائنا. يُتناوَل الجلوكوز ويُهضَم من الكربوهيدرات الأكبر، مثل النشا، في الطعام. فعندما تأكل وجبةً كبيرة، يُمتَصُّ المزيد من الجلوكوز إلى الدم.
أمَّا السَّيْر مسافةً طويلةً والجرْي السريع، فإنه يَستهلِك الكثير من الجلوكوز الذي حصلنا عليه من عملية الهضم؛ لأن التنفُّس الخلوي يَحدُث بمعدَّل أكبر في العضلات لتحرير الطاقة اللازمة للحركة.
على الرغم من أن النوم لا يتطلَّب قدْرًا كبيرًا من الطاقة، فما يزال هناك بعض من الطاقة يُستخدَم في أنشطة مثل: وظائف الدماغ المنخفضة المستوى، والتنفُّس الرئوي، وإصلاح الأنسجة. كما أنها فترة زمنية لا يدخل فيها المزيد من السُّكَّر إلى مجرى الدم؛ إذ يُستبعَد تناول الطعام أثناء النوم.
وعليه فالنشاط الذي يرفع مستوى الجلوكوز في دم الشخص هو تناول وجبة كبيرة.
ثمَّة العديد من أنظمة التحكُّم في جسم الإنسان تُحافِظ على الظروف المثالية لبقائنا أحياءً. على سبيل المثال، تُضبَط درجة الحرارة والأُس الهيدروجيني ضبطًا دقيقًا للسماح للإنزيمات بالعمل بمعدَّلها الأمثل. وتُسمَّى عملية الحفاظ على هذه البيئات الداخلية الثابتة الاتزان الداخلي.
تعريف: الاتزان الداخلي
الاتزان الداخلي هو الحفاظ على بيئات داخلية ثابتة وطبيعية وتنظيمها، وهو ما يسمح للعمليات الحيوية بأداء وظائفها على نحو صحيح في الكائن الحي.
يجب أن يظلَّ تركيز الجلوكوز في الدم عند مستوًى ثابتٍ إلى حدٍّ ما؛ إذ يجب أن يتراوح بين 80–100 mg لكلِّ 100 cm3 من الدم للشخص الصائم.
هيَّا نلقِ نظرةً على كيفية مُحافَظة الجسم على هذا المستوى الثابت من الجلوكوز في الدم.
على الرغم من أنك قد تكون على دراية بالكيفية التي يُمكن أن يستجيب بها الجسم للتغيُّرات في البيئة الخارجية، فهل كنتَ تعرف أن الجسم يستطيع الاستجابة لبيئته الداخلية أيضًا؟ يُسمَّى التغيُّر في البيئة الداخلية أو الخارجية الذي يؤثِّر على نشاط الكائن الحي بالمُثير.
تعريف: المُثير
المُثير هو أيُّ تغيُّر في البيئة الداخلية أو الخارجية للكائن الحي يُمكن أن يؤثِّر على نشاطه.
مثلما تستطيع الخلايا المستقبِلة استشعار المُثيرات الخارجية، كالزيادة الكبيرة في درجة الحرارة، تستطيع الخلايا أيضًا استشعار المُثيرات الداخلية، كزيادة نسبة الجلوكوز في الدم بعْد تناول وجبةٍ كبيرةٍ أو تناول وجبة خفيفة من الأطعمة والمشروبات الغنية بالكربوهيدرات، كالخبز أو الحلوى أو مشروبات الطاقة.
تستشعر خلايا البنكرياس بشكلٍ رئيسي التغيُّرات في تركيز الجلوكوز في الدم. بإمكانك رؤية موقع البنكرياس في جسم الإنسان في الشكل 2 السابق. وتستجيب خلايا البنكرياس عن طريق إفراز هرمونات تُعيد تركيز الجلوكوز في الدم إلى مستواه الطبيعي.
مصطلح رئيسي: البنكرياس
البنكرياس عضوٌ مستطيل الشكل يقع خلف المعدة، ويُفرِز إنزيمات الهضم في الاثني عشر عبر القناة البنكرياسية، كما يُفرِز هرمونات في الدم.
في حالة زيادة تركيز الجلوكوز في الدم، تستشعر خلايا البنكرياس هذا المُثير. ومن ثَمَّ تُفرِز هذه الخلايا الإنسولين في مجرى الدم. والإنسولين هرمون يرتبط بمستقبِلات على العديد من خلايا الجسم. ومن خلال عدد من الآليات، يؤدِّي هذا إلى انخفاض مستوى السُّكَّر في الدم إلى مستواه الطبيعي.
مصطلح رئيسي: الإنسولين
الإنسولين هرمون ببتيدي يُفرَز من خلايا بيتا في البنكرياس، ويعمل على خفض تركيز الجلوكوز في الدم للحفاظ على مستوى السُّكَّر الطبيعي في الدم.
هيَّا نُلقِ نظرةً على الآليات التي يقلِّل بها الإنسولين تركيز الجلوكوز في الدم.
تحتوي معظم خلايا الإنسان على مستقبِلات إنسولين على سطح الغشاء الخلوي. وعندما يرتبط الإنسولين بهذه المستقبِلات، فإنه يتسبَّب في نقْل المزيد من الجلوكوز وسكَّريات أحادية أخرى (باستثناء الفركتوز) من الدم إلى خلايا الجسم. ويُمكن لخلايا الجسم إمَّا تخزين الجلوكوز وإمَّا أَيْضه عن طريق التنفُّس الخلوي لتحرير الطاقة. وهذا يقلِّل من تركيز الجلوكوز في دورة الدم.
وكلما زاد تركيز الجلوكوز في الخلايا، زاد معدَّل التنفُّس الخلوي. يُعَدُّ الجلوكوز مادةً متفاعِلة في عملية التنفُّس الخلوي؛ ولذا فإن المزيد من الجلوكوز يعني المزيد من التنفُّس الخلوي. وتؤدِّي زيادة معدَّل التنفُّس الخلوي إلى زيادة حاجة الخلايا للجلوكوز، والحفاظ على تدرُّج تركيز عالٍ؛ حيث سيُمتَص المزيد من الجلوكوز من الدم.
بعض الخلايا مثل تلك الموجودة في الكبد والعضلات تحوِّل الجلوكوز إلى جليكوجين لتخزينه. يُمكنك رؤية موقع الكبد في الجهاز الهضمي في الشكل 2. وهذا مثال لتفاعُلات البناء؛ لأن جزيئات الجلوكوز، بوصفها مونومرات، ترتبط معًا لتكوِّن بوليمر جليكوجين أكبر شحيح الذوبان. وتتطلَّب هذه العملية طاقة.
يؤدِّي الإنسولين أيضًا إلى تحفيز خلايا أخرى، مثل الخلايا الدهنية التي تُعرَف أيضًا بالخلايا الشحمية، على تحويل الجلوكوز إلى ليبيدات للتخزين. ويُعَدُّ هذا أيضًا عملية بناءٍ بوجهٍ عام تُساعِد في الحفاظ على تدرُّج تركيز عالٍ للجلوكوز بين الدم وخلايا الجسم. ويلخِّص المخطط في الشكل 3 الآتي كيف يتسبَّب الإنسولين الذي يُفرِزه البنكرياس في استجابة أعضاء مختلفة عند زيادة مستويات الجلوكوز في الدم.
مصطلح رئيسي: الكبد
الكبد عضوٌ كبير ذو فصَّيْن يقع في بطن الفقاريات، وهو مسئول عن وظائف مختلفة تشمل إنتاج العصارة الصفراوية، وإزالة السموم، والإخراج.
مثال ٢: التعرُّف على الأعضاء الرئيسية التي تنظِّم الجلوكوز في الدم
يوضِّح الرسم الأعضاء الرئيسية التي تُشارِك في الهضم في جسم الإنسان.
- باستخدام الرسم، اذكر الحرف واسم العضو الذي يُطلِق الهرمونات الرئيسية المُشارِكة في تنظيم تركيز الجلوكوز في الدم.
- باستخدام الرسم، اذكر الحرف واسم العضو الذي يخزِّن الجلوكوز في صورة جليكوجين.
الحل
الجزء الأول
تستشعر خلايا البنكرياس التغيُّرات في تركيز الجلوكوز في الدم. البنكرياس عضوٌ مستطيل الشكل يقع في البطن، خلف المعدة. وتستجيب خلايا البنكرياس عن طريق إطلاق هرمونات تُعيد تركيز الجلوكوز في الدم إلى مستواه الطبيعي.
وفي حالة زيادة تركيز الجلوكوز في الدم، تستشعر خلايا البنكرياس هذا المُثير. وهذا يؤدِّي إلى إطلاق خلايا البنكرياس هذه للإنسولين في مجرى الدم. والإنسولين هرمون يرتبط بمستقبِلات على خلايا الجسم المختلفة. ومن خلال عدد من الآليات، يؤدِّي هذا إلى انخفاض تركيز الجلوكوز في الدم إلى تركيزه الطبيعي.
وعليه فإن العضو الذي يُطلِق الهرمونات الرئيسية المُشارِكة في تنظيم تركيز الجلوكوز في الدم هو (ب): البنكرياس.
الجزء الثاني
تتمثَّل إحدى آليات خفض مستوى الجلوكوز في الدم في تحويل الجلوكوز في الخلايا إلى جليكوجين لتخزينه. وتقوم بذلك بعض الخلايا الموجودة في الكبد والعضلات. وفي خلايا أخرى، يتحوَّل الجلوكوز إلى دهون لتخزينه، وهو ما يُحافِظ على تدرُّج تركيز عالٍ للجلوكوز بين الدم وخلايا الجسم. والكبد عضوٌ كبير ذو فصَّيْن يقع أمام المعدة في البطن.
باستخدام هذه المعلومات، يُمكننا تسمية مختلف الأجهزة في الجهاز الهضمي في الشكل الآتي.
وعليه فإن العضو الذي يُخزِّن الجلوكوز في صورة جليكوجين هو (أ): الكبد.
يتكسَّر الإنسولين الذي يدور في الجسم باستمرار عن طريق الكليتين والكبد بصورة أساسية؛ ولذا عندما يكون مستوى الجلوكوز في الدم أعلى من المستوى الطبيعي، يستمرُّ إفراز الإنسولين. وإذا لم يتكسَّر الإنسولين، فستستمرُّ مستويات السُّكَّر في الانخفاض بشكلٍ خطيرٍ حتى بعد انخفاض مستوى الجلوكوز في الدم إلى المستوى الطبيعي المناسب. وتستشعر خلايا البنكرياس مستوى الجلوكوز في الدم عندما يعود إلى المستوى الطبيعي. ويتسبَّب ذلك في خفض كمية الإنسولين التي تُفرِزها حتى لا يقلَّ تركيز الجلوكوز في الدم بدرجة كبيرة.
يثبِّط الإنسولين أيضًا إفراز هرمون يُسمَّى الجلوكاجون من البنكرياس؛ أيْ يَمنَعه أو يُوقِفه.
مصطلح رئيسي: الجلوكاجون
الجلوكاجون هرمونٌ ببتيدي تُفرِزه خلايا ألفا في البنكرياس، ويعمل على زيادة تركيز الجلوكوز في الدم للحفاظ على مستوى السُّكَّر الطبيعي في الدم.
بما أن كلًّا من هذين الهرمونين يؤثِّر على نشاط الهرمون الآخَر، ويعمل كلٌّ منهما وَفق آلية معاكِسة للآخَر لإحداث تأثير معاكِس للآخَر، يُطلَق عليهما أحيانًا «الهرمونات المتناهضة». وكلا الهرمونين يعمل على إبقاء الجسم في نطاق المستوى الطبيعي للجلوكوز في الدم عن طريق عكس أيْ زيادة حادَّة أو نقصٍ حادٍّ في مستوى الجلوكوز إلى المستوى الطبيعي.
هيَّا نتعرَّف سبب حاجة الإنسولين لتثبيط إفراز الجلوكاجون عند ارتفاع نسبة السُّكَّر في الدم من خلال النظر إلى تأثير الجلوكاجون على تركيز مستويات الجلوكوز في الدم.
عندما يكون مستوى الجلوكوز في الدم منخفضًا، كما هو الحال بعد أداء بعض التمارين، تستشعر خلايا البنكرياس هذا المُثير. وهذا يؤدِّي إلى إفراز خلايا البنكرياس للجلوكاجون مباشرةً في مجرى الدم. ومن ثَمَّ يرتبط الجلوكاجون بالمستقبِلات الموجودة على الغشاء الخلوي مثل خلايا الكبد أو الخلايا الدهنية.
ويؤدِّي تنشيط الجلوكاجون لهذه المستقبِلات إلى تحفيز خلايا الكبد على تكسير الجليكوجين المخزَّن إلى جلوكوز. وهذه عملية هدْم؛ لأنه يُكسَّر فيها بوليمر كبير إلى وحداته الفرعية محرِّرًا طاقة. كما يستجيب الكبد أيضًا عن طريق تحويل الأحماض الأمينية والجليسرول إلى جلوكوز. ومن ثَم يُطلَق الجلوكوز من خلايا الكبد إلى الدم، وهو ما يزيد مباشرة من تركيز الجلوكوز في الدم.
يقلِّل الجلوكاجون أيضًا كمية الجلوكوز التي تمتصُّها خلايا الكبد. ويعمل الجلوكاجون على خفْض معدَّل التنفُّس الخلوي عن طريق تثبيط تحلُّل الجلوكوز؛ ولذا يتمُّ أيض كمية أقلَّ من الجلوكوز لإطلاق الطاقة؛ ومن ثَمَّ يقلُّ الجلوكوز الذي تمتصُّه الخلايا من الدم. وهذا يزيد بصورة غير مباشرة من تركيز الجلوكوز في الدم، وهو ما يعني أن هناك جلوكوزًا أكثر يدور في مجرى الدم.
عند اقتراب تركيز الجلوكوز في الدم من مستوياته الطبيعية، تقلِّل خلايا البنكرياس إفراز الجلوكاجون. ويلخِّص الشكل 4 كيف أن الجلوكاجون الذي يُفرِزه البنكرياس يجعل أعضاءً مختلفة تستجيب عندما تنخفض مستويات الجلوكوز.
نلاحِظ في الشكل 4 أن الجلوكاجون يُمكنه أن يقلِّل من معدَّل التنفُّس الخلوي عن طريق تثبيط تحلُّل الجلوكوز الذي يزيد نسبة الجلوكوز في الدم. كما يُمكن أن يتسبَّب الجلوكاجون في تكسير خلايا الكبد للمزيد من الجليكوجين المخزَّن إلى جلوكوز، وتحويل الأحماض الأمينية والجليسرول إلى جلوكوز.
من المُثير للاهتمام أن هرمونًا مختلفًا يُسمَّى الأدرينالين (الإبينفرين)، وهو هرمون يَنطلِق من الغدتين الكظريتين، يعمل أيضًا على زيادة مستويات الجلوكوز في الدم. عندما يكون مستوى الجلوكوز في الدم منخفضًا جدًّا، أو عند تعرُّض الشخص إلى مواقف مُرهِقة وخطيرة، حيث تكون العضلات والأنسجة الأخرى بحاجة إلى مزيد من الجلوكوز، يَنطلِق كلٌّ من الأدرينالين والجلوكاجون لإحداث تأثيرات مختلفة تؤدِّي إلى عودة تركيز الجلوكوز في الدم إلى معدَّله الطبيعي.
مثال ٣: وصْف الأنشطة التي تقلِّل من تركيز الجلوكوز في الدم
أيٌّ من الآتي يقلِّل من مستوى جلوكوز الدم في جسم الإنسان؟
- تناوُل وجبة كبيرة
- شُرب مشروب رياضي متساوي التوتر
- تناوُل وجبة خفيفة من الخبز والحلوى
- الركض لمسافة 5 km
الحل
يجب أن يظلَّ تركيز الجلوكوز في الدم عند مستوًى ثابتٍ إلى حدٍّ ما. وتُسمَّى عملية الحفاظ على هذه البيئات الداخلية الثابتة بالاتزان الداخلي.
يزيد مستوى الجلوكوز في الدم بعد تناول وجبة كبيرة أو تناول وجبة خفيفة من الأطعمة والمشروبات الغنية بالكربوهيدرات كالخبز أو الحلوى أو مشروبات الطاقة. وهذا لأن الكربوهيدرات في هذه الأطعمة والمشروبات تتكسَّر بواسطة الجهاز الهضمي إلى سُكَّريات صغيرة مثل الجلوكوز. ثم يُمتَصُّ الجلوكوز إلى مجرى الدم حيث يذوب في الجزء المائي من بلازما الدم. يعمل الدم على نقْل الجلوكوز في جميع أنحاء الجسم، وتستشعر خلايا البنكرياس الزيادة في مستوى الجلوكوز. واستجابة لذلك، تُفرِز هذه الخلايا الإنسولين الذي يعمل على خفض مستوى الجلوكوز في الدم إلى المستوى الطبيعي.
عندما يكون مستوى الجلوكوز في الدم منخفضًا، كما هو الحال بعد الركض لمسافة طويلة مثلًا، تستشعر خلايا البنكرياس هذا المُثير. وهذا يؤدِّي إلى إفراز الخلايا للجلوكاجون في مجرى الدم مباشرة. ويعمل الجلوكاجون على زيادة مستوى الجلوكوز في الدم إلى المستوى الطبيعي.
وعليه فإن النشاط الذي يقلِّل من مستوى جلوكوز الدم في جسم الإنسان هو الركض لمسافة 5 km.
يُعَدُّ عمل الجلوكاجون والإنسولين مثالًا لعملية تُسمَّى التغذية الراجعة السلبية. والتغذية الراجعة السلبية آلية تعمل على إعادة النظام إلى المستوى الأمثل بعد استشعار تغيُّر ما. ويوضِّح الشكل 5 دور آلية التغذية الراجعة السلبية في تنظيم تركيز الجلوكوز في الدم.
تعريف: التغذية الراجعة السلبية
التغذية الراجعة السلبية آلية تعمل على الحدِّ من تأثير ما عن طريق عكس التغيُّرات وإعادتها إلى وضْعها الطبيعي.
يُعَدُّ إفراز الجلوكاجون مثالًا على التغذية الراجعة السلبية؛ فعندما ينخفض الجلوكوز في الدم، تستشعر خلايا البنكرياس ذلك وتُفرِز الجلوكاجون. ويزيد الجلوكاجون من تركيز الجلوكوز في الدم حتى يَصِل إلى المستوى الطبيعي.
ويُعَدُّ إفراز الإنسولين مثالًا آخَر على التغذية الراجعة السلبية؛ فعندما يرتفع الجلوكوز في الدم، تستشعر خلايا البنكرياس ذلك وتُفرِز الإنسولين. ويقلِّل الإنسولين من تركيز الجلوكوز في الدم إلى المستوى الطبيعي.
مثال ٤: وصْف عملية تنظيم نسبة الجلوكوز في الدم
يوضِّح الرسم المخطَّط الأساسي لآليات التحكُّم في نسبة الجلوكوز في الدم.
- ما الهرمون الذي يمثِّله الحرف (أ)؟
- ما الهرمون الذي يمثِّله الحرف (ب)؟
- ما نوع آلية التغذية الراجعة للتحكُّم في نسبة الجلوكوز في الدم؟
الحل
يوضِّح لنا هذا الرسم كيف تستجيب خلايا البنكرياس للتغيُّرات في نسبة الجلوكوز في الدم عن طريق إفراز هرمونات مختلفة.
يوضِّح لنا الشكل ما يَحدُث عندما ترتفع نسبة الجلوكوز في الدم عن المعتاد في النصْف العُلوي من المخطط، وكيف يُمكن أن تتسبَّب الهرمونات في تأثيرات تعمل على إعادة تركيز الجلوكوز في الدم إلى المعدَّل الطبيعي. ويوضِّح الجزء السُّفلي من المخطَّط ما يَحدُث عندما تنخفض نسبة الجلوكوز في الدم انخفاضًا حادًّا، وكيف يُمكن لهرمونات مختلفة أن تُسبِّب انعكاس هذه التغيُّرات انعكاسًا يؤدِّي إلى ارتفاع الجلوكوز في الدم حتى تَصِل إلى المعدَّل الطبيعي. يطلب منَّا السؤال تحديد هذين الهرمونين ونوع الآلية التي يُعَدُّ هذا التحكُّم في نسبة الجلوكوز مثالًا عليها.
الجزء الأول
عندما تزيد نسبة الجلوكوز في الدم، تستشعر خلايا البنكرياس ذلك وتُفرِز الإنسولين. ويُحفِّز الإنسولين العديد من التأثيرات في خلايا الجسم لخفْض تركيز الجلوكوز في الدم حتى تَصِل إلى المعدَّل الطبيعي.
ومن ثَمَّ، فالهرمون الذي يمثِّله الحرف (أ) هو الإنسولين.
الجزء الثاني
عندما تقلُّ نسبة الجلوكوز في الدم، تستشعر خلايا البنكرياس ذلك وتُفرِز الجلوكاجون. ويُحفِّز الجلوكاجون العديد من التأثيرات في خلايا الجسم لرفع تركيز الجلوكوز في الدم حتى تَصِل إلى المعدَّل الطبيعي.
ومن ثَمَّ، فالهرمون الذي يمثِّله الحرف (ب) هو الجلوكاجون.
الجزء الثالث
يُعَدُّ التحكُّم في نسبة الجلوكوز في الدم مثالًا على عملية تُسمَّى التغذية الراجعة السلبية تَهدِف إلى المُحافَظة على الاتزان الداخلي. والتغذية الراجعة السلبية هي الآلية التي تضبط النظام وتعكس تأثير التغيُّرات بعْد استشعارها؛ ومن ثَمَّ تُعيد النظام إلى المستوي الطبيعي. ويوضِّح الشكل السابق دَوْر آلية التغذية الراجعة السلبية في التحكُّم في نسبة الجلوكوز في الدم.
ومن ثَمَّ، فنوع آلية التغذية الراجعة للتحكُّم في نسبة الجلوكوز في الدم هو تغذية راجعة سلبية.
قد تتساءل لماذا نحتاج أن يتحكَّم البنكرياس في مستويات الجلوكوز في الدم. هيَّا نرَ ما قد يَحدُث إذا لم يستطع الجسم الحفاظ على مستوى الجلوكوز في الدم ثابتًا إلى حدٍّ ما.
ينشأ مرض السُّكَّري من النوع الأول نتيجة لعدم أداء بعض خلايا البنكرياس لوظائفها بشكل صحيح، وهو ما يَمنَعها من إنتاج الإنسولين. ولعلك تتذكَّر أن الإنسولين يقلِّل من مستوى الجلوكوز في الدم. وبما أن خلايا البنكرياس لن تُنتِج الإنسولين في حالة الشخص المُصاب بمرض السُّكَّري من النوع الأول، فإن تركيز الجلوكوز في الدم قد يكون مرتفعًا جدًّا إن لم يُنَظَّم.
يزيد ارتفاع الجلوكوز في الدم من ضغط الدم. وهذا يضغط على الأوعية الدموية، وهو ما قد يتسبَّب في إتلافها، وكذلك إتلاف أعضاء وخلايا أخرى، مثل الخلايا العصبية.
من ثَمَّ، يُمكن التحقُّق من ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم عن طريق تحليل الدم أو البول. إذ يؤدِّي ارتفاع مستوى الجلوكوز إلى انخفاض جهد الماء في البول، وهو ما يؤدِّي إلى إخراج كمية زائدة من الماء جزءًا من البول بدلًا من إعادة امتصاصها إلى الدم في الكليتين. وهذا يعني أن الشخص المُصاب بمرض السُّكَّري قد يشعر أيضًا بالعطش الشديد والحاجة المتكرِّرة إلى التبوُّل.
أمَّا انخفاض نسبة السُّكَّر في الدم، فتعني أنه لا يُوجَد جلوكوز كافٍ لخلايا الجسم ليتكسَّر في عملية التنفُّس الخلوي. وفي حالة التنفُّس الخلوي غير الكافي، لا تُطلِق الخلايا طاقة كافية. وقد يؤدِّي هذا إلى شعور الشخص الذي لديه مستوًى منخفض من الجلوكوز في الدم بالتَّعَب والجوع، حتى الإغماء.
مثال ٥: وصْف الأعراض الناتِجة عن عدم التحكُّم في تركيز الجلوكوز في الدم
يجب التحكُّم بدقَّة في تركيز الجلوكوز في مجرى الدم، وإذا لم يَحدُث ذلك، فقد تَنتُج آثار خطيرة على الجسم. أيٌّ من الآتي ليس أحد هذه الآثار؟
- انخفاض السُّكَّر في الدم، وهو ما يؤدِّي إلى وجود طاقة زائدة
- ارتفاع السُّكَّر في الدم، وهو ما يُتلِف الأوعية الدموية
- انخفاض السُّكَّر في الدم، وهو ما يؤدِّي إلى الإغماء
- ارتفاع السُّكَّر في الدم، وهو ما يُتلِف الأعضاء
الحل
في الحالات التي لا تعمل فيها خلايا البنكرياس بشكلٍ صحيح، يُمكن أن يرتفع تركيز الجلوكوز في الدم.
بعض خلايا البنكرياس مسئولة عن إنتاج الإنسولين، وهو ما يقلِّل من تركيز الجلوكوز في الدم. وبما أن الخلايا لن تُنتِج الإنسولين في حالة الشخص المُصاب بمرض السُّكَّري من النوع الأول على سبيل المثال، فإن تركيز الجلوكوز في الدم قد يكون مرتفعًا جدًّا إن لم يُتحكَّم فيه.
يزيد ارتفاع الجلوكوز في الدم من ضغط الدم. وهذا يضغط على الأوعية الدموية، وهو ما قد يتسبَّب في إتلافها، وكذلك إتلاف أعضاء وخلايا أخرى، مثل الخلايا العصبية.
يؤدِّي ارتفاع تركيز الجلوكوز إلى انخفاض جهد الماء في البول، وهو ما يؤدِّي إلى إخراج كمية زائدة من الماء جزءًا من البول بدلًا من إعادة امتصاصه إلى الدم في الكليتين. وهذا يعني أن الشخص المُصاب بمرض السُّكَّري قد يشعر أيضًا بالعطش الشديد والحاجة المتكرِّرة إلى التبوُّل.
أمَّا انخفاض نسبة السُّكَّر في الدم، فتعني أنه لا يُوجَد جلوكوز كافٍ لخلايا الجسم ليتكسَّر في عملية التنفُّس الخلوي. وفي حالة التنفُّس الخلوي غير الكافي، لا تُطلِق الخلايا طاقة كافية. وقد يؤدِّي هذا إلى شعور الشخص الذي لديه مستوًى منخفض من الجلوكوز في الدم بالتَّعَب والجوع، حتى الإغماء.
ولذلك فإن الأثر الذي لا يَنتُج عن عدم التحكُّم في تركيز الجلوكوز في الدم هو (أ): انخفاض السُّكَّر في الدم، وهو ما يؤدِّي إلى وجود طاقة زائدة.
لنلخِّص بعض النقاط الرئيسية التي تناولناها في هذا الشارح.
النقاط الرئيسية
- تستشعر خلايا البنكرياس التغيُّرات الداخلية في الجسم مثل التغيُّر في تركيز الجلوكوز في الدم، وتستجيب لذلك من أجل الحفاظ على الاتزان الداخلي.
- الجلوكاجون والإنسولين هرمونان متناهضان (متضادَّا التأثير) تُطلِقهما خلايا البنكرياس، ويعملان على الحفاظ على تركيز الجلوكوز في الدم ضمن المستوى الطبيعي.
- عندما يكون تركيز الجلوكوز في الدم منخفضًا جدًّا، تُفرِز خلايا البنكرياس الجلوكاجون الذي يزيد تركيز الجلوكوز في الدم حتى يُعيدَه إلى المستوى الطبيعي.
- عندما يكون تركيز الجلوكوز في الدم مرتفعًا جدًّا، تُفرِز خلايا البنكرياس الإنسولين الذي يقلِّل تركيز الجلوكوز في الدم حتى يُعيدَه إلى المعدَّل الطبيعي.
- يُمكن أن يؤدِّي أيُّ خلَل في تركيز الجلوكوز في الدم إلى مشكلات صحية خطيرة، كمرض السُّكَّري.
- تُعَدُّ هذه العمليات أمثلةً على آليات تحكُّم التغذية الراجعة السلبية في الجسم التي تَهدِف إلى المُحافَظة على الاتزان الداخلي.